في ذكرى حرب حزيران .. (1)
د. محمد المناصير
07-06-2014 02:26 PM
لقد كانت الامة العربية قبيل الانزلاق الى حرب حزيران 1967 سعيدة جدا ، خاصة بعد ان طمأن الرئيس جمال عبد الناصر الامة في 29/5/1967 بانه هو الذي سيقرر الوقت والمكان في الحرب الوشيكة .
اما احمد سعيد المعلق الاذاعي فقد كان يصرخ في اذاعة صوت العرب بحتمية النصر مع مقولته المشهورة :" تجوع يا سمك" لان العرب سيرمون العدو في البحر عند بدء المعارك . وكذلك فعل الكاتب محمد حسنين هيكل حينما حسن وجه الاستعداد للحرب واكد حتمية النصر . فيما نصبت مصر صواريخ الظافر والقاهر واعدت طائرات الميغ المتطورة الروسية الصنع لمواجهة طائرات العدو الاميركية والفرنسية الصنع .
وفي الرابع من حزيران قرر وزراء النفط في "اوابك" المنظمة العربية للاقطار المصدرة للبترول ، وقرروا بالاجماع قطع النفط عن كل من يساند اسرائيل او يعتدي على اي قطر عربي.
اما الاردن فقد كان حائرا في ظل علاقاته المتدهورة مع سورية ومصر ، وحدوده الطويلة مع العدو ، وعدم وضعه في صورة الامر ، والكل يريد الحرب مصر وسورية والفلسطينيون والراي العام العربي . ولهذا أمر الملك الحسين بوضع القوات المسلحة الاردنية في وضع التعبئة والاستعداد . واعلن الملك ان الاردن لن يقف موقف المتفرج ؛ فالمعركة معركة الاردن اولا وفلسطين ثانيا ، فيما رأى وصفي التل ورئيس الديوان الملكي ان مصر تسرعت ووضعت نفسها امام العالم بوضع الدولة المعتدية .
وادرك الاردن ان الحرب واقعة لامحالة ؛ فطلب من السعودية والعراق ان ترسلا قواتهما الى اراضيه . خاصة وان الولايات المتحدة حولت الاسلحة التي اشتراها الاردن من الولايات المتحدة والقادمة على متن الباخرة " جرين لاند " في 29 ايار 1967 الى الى اثيوبيا بدلا من الاردن .
وقد ارسل الاردن اللواء عامر خماش ليتولى الاتصال بمصر للاتصال بالقيادة العربية الموحدة ، وقيل له ان القيادة الموحدة ليس لها شأن بهذا الامر ، وان ما يحدث هو من شأن دولتي مصر وسورية فقط. فاستدعى الاردن سفراء مصر وسورية والعراق ؛ وابلغهم استعداد الاردن ان يقف صفا واحدا مع العرب في مجابهة العدو مهما كانت الظروف ، الا ان الملك لم يحظ حتى برد من هذه الدول ، باستثناء العراق الذي اعلن اعتذاره عن ارسال قوات الى الاردن .
ثم استدعى الحسين السفير المصري وابلغه رغبته بلقاء الرئيس جمال عبد الناصر ، محذرا من اتساع نطاق الحرباذا نشبت ، فلا بد من التنسيق . واستجاب الرئيس عبد الناصر لطلب الملك الحسين للقاءه .
فقام الملك بزيارة مصر في 30/5/1967 ومعه رئيس الوزراء سعد جمعة ورئيس الاركان عامر خماش ، وقد قاد الملك الطائرة بنفسه . واجتمع بعبد الناصر بحضور زكريا محيي الدين وعلي صبري ومحمود سليمان رئيس وزراء مصر والفريق عبد المنعم رياض ، وتم التوقيع على اتفاقية الدفاع المشترك مع الجمهورية العربية المتحدة في نفس اليوم. وكان من ضمن بنودها ان يتولى الفريق عبد المنعم رياض قيادة القوات المسلحة الاردنية اعتبارا من 1/6/1967. واقترح الرئيس عبد الناصر ارسال كتيبتين من قوات الصاعقة المصرية لمساندة الجيش الاردني ، وارسال طائرات لتكون غطاء جويا للجيش الاردني .
وقد عاد الملك الحسين الى عمان من القاهرة ومعه على الطائرة احمد الشقيري رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ، واستقبل الملك في المطار باستقبال شعبي كبير . وفي الرابع من حزيران ايضا بدأت الدبابات العراقية تصل الى الاردن ، ووصلت كتيبة من جيش التحرير الفلسطيني قادمة من سورية ، وكتيبة المغاوير المصرية ، واول كتيبة من الجيش السعودي وصلت الى معان .
وبدا للعالم كله ان العرب هم الذين يدقون طبول الحرب ، وانهم يريدوا ان يمحقوا اسرائيل كما صورت الدعاية الصهيونية الموقف . في حين ارسلت الولايات المتحدة سفيرها في عمان " فندلي بيرنز " ليبلغ رسالة من الرئيس الاميركي جونسون محذرا الملك من مغبة الانضمام مع سورية ومصر ولم يستمع الملك للتحذيرات الاميركية .
في حين تشكل في اسرائيل حكومة جديدة في الاول حزيران ؛ اصبح فيها موشي دايان وزيرا للدفاع ومناحيم بيغن من منظمة ارغون الارهابية وزير دولة ، فبات مؤكدا ان اسرائيل شكلت وزارة حرب ، وباتت تهديدات عبد الناصر وخطابات الشقيري المتعطشة للدم مبررا للرد الدعائئي الصهيوني المكثف .
وفي هذه الاثناء جاء قرار الرئيس عبد الناصر المناقض لقراره الاول معلنا فيه : " ... ان مصر لن تكون البادئة بالحرب وترك الامر لاسرائيل لتقرر هي متى تبدأ الحرب" . وقد كان خطأ قاتلا ، ادى الى نتائج مدمرة على العرب .
وقد اكد الحسين موقفه من الحرب قائلا : " كان الدخول في الحرب حتميا لا مفر منه " .
وتقول الارقام ان اعداد القوات المتحاربة كما يلي : اسرائيل ؛ 250 الف جندي في25 لواء و200 مدفع و1000 دبابة و1500 مدرعة و50 صاروخ ارض ـ جو و550 مدفع مضاد للطائرات و 268 طائرة مقاتلة .
اما مصر فتتكون قواتها من 210 لاف جندي في 22 لواء و 575 مدفع و1300 دبابة و 1050 ناقلة مدرعة و 160 صاروخ ارض ـ جو و950 مدفع مضاد للطائرات و 431 طائرة مقاتلة .
اما الاردن فتتكون قواته المسلحة من 55 الف جندي في 11 لواء و 263 مدفع و 288 دبابة و 210 ناقلات مدرعة و 143 مدفع مضاد للطائرات و 18 طائرة مقاتلة ، و يملك الاردن سرية من قوارب خفر السواحل في البحر الميت وخليج العقبة بقيادة الرائد فؤاد حدادين .
اما سورية فتتكون قواتها من 63 الف جندي في 13 لواء و 315 مدفع و750 دبابة و 585 ناقلة جنود مدرعة و 1000 مدفع مضاد للطائرات و 127 طائرة حربية مقاتلة .
وكانت القوات الاردنية تتالف من 11 لواء ؛ اثنان دروع وتسعة مشاة . في قيادتين القيادة الغربية بقيادة اللواء محمد احمد سليم وبامرتها 7 الوية ومقر قيادتها في رام الله. والقيادة الشرقية بقيادة العميد مشهور حديثة الجازي وبامرتها لواءي مشاة ومقرها الزرقاء هما لواء الحسين بن علي بقيادة المقدم سالم النجادات بين معان والعقبة ولواء اليرموك بقيادة مفضي عيد مصلح في المرتفعات الشمالية . اما اللواءان المدرعان فقد اعتبرا قوة احتياط ووضعا تحت امرة القيادة العامة .ولواء القادسية في وادي الاردن غربي جسر دامية وقائده العقيد قاسم المعايطة ، ولواء خالد بن الوليد في جنين ولواء عالية في نابلس ـ طولكرم ـ قلقيلية وقائده العقيد عواد الخالدي وقائده العقيد تركي بعاره ، واللواء الهاشمي في رام الله واللطرون وقائده العقيد كمال الطاهر ، ولواء طلال في القدس وقائده العقيد عطا علي ، ولواء حطين في الخليل ـ بيت لحم ـ حلحول وقائده العقيد بهجت المحيسن ، ولواء الامام علي في الخان الاحمر بين اريحا والقدسوقائده العقيد احمد شحاده الحارثي واللواء المدرع 40 غربي نهر الاردن جسر دامية وقائده العقيد راكان عناد الجازي واللواء المدرع 60 في منطقة النبي موسى قرب اريحا وقائده العقيد الشريف زيد بن شاكر . والحقت كتيبتي الصاعقة المصرية وقوامها 800 جندي حيث الحقت الكتيبة 33 بلواء قاطع جنين و كتيبة 53 بلواء قاطع رام الله . وكان سلاح الجو الاردني بقيادة العقيد الطيار صالح الكردي .
ودخل اللواء العراقي الثامن الحدود الاردنية في 4 حزيران وهو بقيادة العقيد حسن النقيب . فيما دخلت القوات السعودية الحدود الى معان .
وقامت خطة الدفاع الاردنية بنشر خمسة الوية مشاة على طول خط الهدنة في الضفة الغربية من جنين الى السموع ، مرورا بطولكرم وقلقيلية واللطرون والقدس والخليل ، ووضع اربعة الوية خلفها احتياطا وظهيرا لها كخط دفاع ثان ، واتفق ان تفتح الجبهة الاردنية الا بعد وصول القوات العربية اليها ويؤمن الغطاء الجوي للقوات الاردنية والعربية على الجبهة الاردنية .
وقد حدث ان قام السفير التركي في عمان بابلاغ الملك الحسين ان اسرائيل ستبدأ هجومها يوم 5 او 6 حزيران 1967 بغارات مفجأة على القواعد الجوية المصرية .وفي اليوم التالي ابلغ سفير العراق رئيس الوزراء الاردني سعد جمعة ان اسرائيل ستبدأ الحرب صباح يوم 5 حزيران ونقلت المعلومات الى الحسين ثم الى الفريق عبد المنعم رياض الذي نقلها الى القاهرة فكان الجواب من مصر انهم يتوقعون الهجوم وهم مستعدون له .