عمون - انتقلت الى رحمة الله تعالي السيدة بثينة جردانة احدى رائدات العمل التطوعي والخيري في الأردن.
رحم الله المربية الفاضلة صاحبة اليد البيضاء وإحدى الرائدات اللواتي كان لهن الفضل في تطور مفهوم العمل الخيري التطوعي في الأردن، واحدى المناضلات الصلبات في الدفاع عن قضايا المرأة والأسرة والطفل.، حيث كانت مثالا يحتذى في التفاني والإخلاص والعمل الدؤوب بدون ضجيج أو تكلف أو إدعاء.
لك الرحمة أيتها السيدة الفاضلة
وكانت الزميلة هيا صالح كتبت عنها في الراي :
استحقت السيدة بثينة جردانة، عبر مسيرتها الطويلة في العمل الاجتماعي التطوعي، ولما قدمته من جهود في طرح قضايا المرأة والأسرة والطفل، وسام الاستقلال مع براءة ملكية سامية من المغفور له الملك حسين بن طلال، ونالت عدة دروع تكريماً لها، وتقديراً لإنجازاتها في هذه المجالات، كما رشحت لتكون سيدة العام 2000 من قبل منظمة أميركية للأبحاث العالمية.
نشأت جردانة في ظل أسرة على درجة كبيرة من الثقافة والعلم، فوالدها كان شاعراً، وكانت والدتها تعشق الموسيقى والعزف على البيانو، وتتقن خمس لغات.
عائلتها زودتها بالمهارات والقيم التي كانت الأساس في بناء ثقافتها، التي استثمرتها وفق ما قالت، في صالح مجتمعها.
ولا تفتأ جردانة تذكّر بدور الأسرة والعائلة في تنمية مهارات الأبناء، وتوجيه طاقاتهم إلى ما يفيد مجتمعهم، وتقول في ذلك: «أرتكز في عملي على جميع مقومات النجاح التي غرستها أسرتي، لأكون الشخصية المثقفة القيادية التي أحب.. ما شغلت عملاً إلا نجحت فيه.. ما عرفت أناساً إلا وشعرت باحترامهم وحبهم وتقديرهم لي، وبادلتهم هذا بذاك».
أنهت جردانة المرحلة الابتدائية في مدرسة «الفرندز» الداخلية بمدينة رام الله الفلسطينية المحتلة، ثم انتقلت إلى مدرسة «العائشية» بنابلس، لتكمل فيها المرحلة الثانوية، وسافرت، بعد ذلك، إلى سوريا لدراسة الطب في جامعة دمشق، ولكنها عدلت عن الطب واختارت اللغة العربية وآدابها.
وبعد تخرجها في الجامعة، عادت جردانة إلى عمّان، لتبدأ مشوارها العملي كمعلمة للغة العربية، وبعدها انتقلت في أكثر من موقع خلال عملها في وزارة التربية والتعليم. ثم حصلت على منحة دراسية إلى جامعة مانشستر في بريطانيا العام 1967، لتنال دبلوم الدراسات العليا في تطوير المناهج، وفي العام 1969 حصلت على دبلوم في الإخراج التلفزيوني من معهد «سيتو» في لندن، ثم التحقت بجامعة القاهرة وأكملت فيها دبلوم الدراسات الإسلامية، وامتلكت بذلك القاعدة الفكرية المتينة التي ارتكزت عليها لتحقيق طموحاتها وإحراز النجاح تلو الآخر في مسيرتها بالعمل الاجتماعي والتطوعي.
شاركت جردانة في دورات متعددة، عُقدت في جامعات ومعاهد محلية وعربية وعالمية، في مجالات التربية، المرأة وغيرها من مجالات، وأسست الإذاعة المدرسية التي كانت موجهة لطلبة الضفة الغربية في الإذاعة الأردنية، بالإضافة إلى مشاركتها في إعداد وكتابة النصوص المسرحية، والبرامج الثقافية للإذاعة.
عملت جردانة، ولمدة عشر سنوات، عميدة لكلية الأميرة عالية، وأسست أول حضانة للأطفال في العام 1974، وأول روضة في وزارة التربية والتعليم، وثابرت على أن تكون الكلية على تماس مع قضايا المجتمع المحلي، وقضايا المرأة والطفل، ووفرت للطالبات فرص عمل لإنتاج المواد الغذائية وتسويقها، ونظمت العديد من الدورات التدريبية التي تنهض بدور المرأة وفاعليتها في المجتمع، وأصبحت، بعد ذلك، رئيسة قسم كليات المجتمع الخاصة في وزارة التربية والتعليم.
ترأست السيدة بثينة جردانة اللجان التنفيذية المؤقتة للاتحاد النسائي الأردني لأربع دورات، وانتُخبت عضواً في الهيئة الإدارية لاتحاد الجمعيات الخيرية لتسع دورات، وعضواً في الهيئة الإدارية للاتحاد الوطني لصاحبات الأعمال والمهن، واختيرت رئيسةً لجمعية سيدات الألفية الثالثة.
وما تزال تنشط في معظم هذه الهيئات، وتقدم جهداً في سبيل رسالتها المتمثلة في «تقديم الخدمة والعون للآخرين ما أمكن، تحقيقاً لمعاني الانتماء للمجتمع والولاء للوطن».
وتؤكد في السياق نفسه أن العمل التطوعي هو «الذي يصدر عن دافع ذاتي يكون فيه المتطوع متعاطفاً مع الناس ومعايشاً لمشاكلهم»، مضيفةً: «بالنسبة لي، أجد نفسي فعالة أكثر ـعلى صعيد إنساني- عند مساعدة الناس على التغلب على المشكلات التي تواجههم، وأجد نفسي فعالة أكثر في التعامل مع القضايا التي تخص المرأة، ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة لمشاكلها».
وقد أهلتها ثقافتها، وتجربتها وخبراتها العملية الطويلة، لإعداد البحوث للمشاركة في مؤتمرات، وشاركت في تأليف الكتب المدرسية في الأردن وسلطنة عُمان، بالإضافة إلى إنجازها أبحاثاً في قضايا المرأة، واللغة العربية، والأسرة، والديمقراطية.
وتنطلق جردانة في عملها من محبتها للجميع، وتردّ الفضل إلى أصحابه، في مسيرتها الغنية، ومساندتها في تحقيق أفكارها وتنفيذ طروحاتها، وعلى رأسهم زوجها، لتفهّمه لطبيعة عملها، ودعمه لها في خدمة المجتمع المحلي بقطاعاته المختلفة.
وتقول جردانة وهي تنظر بعين الرضا لمجمل تجربتها العملية والتطوعية: «رحلة أربعين عاماً من العمل الاجتماعي والتطوعي لم يكن فيها متسع للتواني والتخاذل.. رحلة لم تكن في حساب عمري سوى رحلة مرت بسرعة، وما أزال أشعر ان دوري الكبير والمهم في الحياة يبدأ الآن وفي كل لحظة قادمة، يبدأ وقد تحلَّى بالنضج والخبرة والتجربة التي تكتمل بالمرونة والهدوء والموضوعية والجدية، التي تتسامى أكثر وأكثر مع مرور الزمن».