الانتقادات التي توجه لحكومة د. عبدالله النسور كثيرة. والمطالبات برحيلها، بسبب نهجها "الجِبائي"، متكررة من قبل نخب ومراقبين وعامة.
إلا أن هؤلاء عادة ما ينهون حديثهم بكلمة "لكن"؛ فيختتمون قائمة النقد الطويلة للحكومة الحالية بالحديث عن البديل، وعن الفرص المتوفرة لتغيير الوضع القائم من قبل الوريث القادم، وما سيأتي به مقارنة بالموجود على علاته.
حالة عدم الرضا، وهذا وصف مخفف لحقيقة شعور الناس تجاه الحكومة الحالية، ترتبط بشكل عميق بالقرارات الاقتصادية الصعبة التي اتخذتها الحكومة، وتركيزها على هذه الجزئية المحدودة في ملف الإصلاح الذي يفترض أن يكون شاملاً. يعزز ذلك ضعف نتائج العمل الحكومي الإيجابية على حياة الناس، في وقت أدت فيه قرارات زيادة الأسعار إلى إصابة مستوى معيشة كثير من الأسر في مقتل، وهي التي قاومت كثيراً لتحافظ على مركزها المالي، وخاضت معارك ضارية في وجه الأسعار لتبقى ضمن الطبقة الوسطى.
للحكومة الحالية نقاط ضعف واضحة، تسهم أيضاً في تعميق الشعور الرافض لها، وتشجع رفع صوت المطالبين برحيلها، وهو ما يتمثل خصوصاً في غياب روح الفريق عن هذه الحكومة.
في حكومات سابقة، كنا نتحدث عن الفريق الاقتصادي، ونسعى لقراءة مدى انسجامه وامتلاكه لوصف الفريق. وكانت النتيجة، في العادة، غياب هذه الميزة، ما أدى بالضرورة إلى تراجع قدرة الحكومات على إحداث الفرق المطلوب.
الحكومة الحالية تشكلت وبدأت عملها في ظل متغير مختلف لكنه مهم، يتمثل في الأزمة السورية التي حملت معها كثيرا من الضغوطات؛ منها ما يتعلق بسوق العمل والخدمات، إضافة إلى الضغط الكبير على البنية التحتية.
هذا المتغير والتعامل مع نتائجه كان يتطلب نسيجا مختلفا من العلاقات، المعنوية وليس الشخصية حتماً، بين أعضاء الفريق الحكومي، بعد أن تشابك الأمني مع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي أيضا. إلا أن ضعف التشبيك والتنسيق أفضى إلى قناعة شعبية بضعف الأداء الحكومي.
حكومة د. النسور جاءت عقب "الربيع العربي" والحراك الشعبي المطالب بالإصلاح، وكذلك شقيقه المطلبي؛ ما أكد الحاجة الملحة، مرة أخرى، لفريق حكومي متكامل؛ فلا يقتصر على الجانب الاقتصادي، وإنما يشمل مختلف الأطر والقطاعات. وهو ما ليس موجودا للأسف.
أهمية التجانس بين الفريق، وكذلك التشبيك في الأداء، يعدان ضرورة لتطبيق استراتيجية التشغيل، وإعادة الهيبة لامتحان "التوجيهي"، ووقف التطاول على المياه وسرقتها.. وغيرها من مشاكل ومعضلات. وقد وعدتنا الحكومة الحالية باستعادة هيبة القانون وتطبيقه على الجميع بعدالة، فهل تحقق ذلك؟ كما وعدت بتحسين مستوى معيشة الناس والتأسيس لإنجاز تنمية مستدامة فعلاً، فأين نحن منهما؟
ضعف النتائج يرتبط بدرجة رئيسة بغياب روح الفريق، وشيوع فكرة سطوة شخصية الرئيس على الوزراء، بما عمق الانطباع بأنها حكومة الرجل الواحد.
في التفاصيل، ومن خلال اللقاءات المتكررة التي تجريها "الغد" مع الوزراء فرادى، يكشف كل وزير عن حجم العمل الذي يؤديه، والمنجزات الإصلاحية التي يسعى إلى تحقيقها في قطاعه. والقصة تبدأ من "البلديات" التي يسعى وزيرها إلى تنظيم العمل البلدي والارتقاء بمستوى الخدمات، مرورا بـ"التخطيط" والسعي الجاد إلى تنفيذ مشاريع المنحة الخليجية، وليس انتهاء بـ"التنمية" والجبهة المفتوحة لديها مع مؤسسات مجتمع مدني، وتوجيه إنفاقها لتحقيق أهداف مفيدة للمجتمع. ولا يتوقف الحديث عند هذا الحد، إذ ثمة عمل كثير؛ فكل وزير يعمل بجد في قطاعه، باستثناء عدد قليل أثبتت التجربة غياب الرؤية لديه.
رغم ذلك، تجد الانطباع الشعبي متمنيا رحيل الحكومة وتغيرها؛ ربما لأننا تعودنا على فكرة قصر عمر الحكومات، ولأن الحكومة الحالية فشلت في إعلان برنامج عملها، ولم تنجح كثيراً في شرح ما يقوم به الوزراء الفاعلون. ولعل أهم من ذلك أنها لم تتمكن من إنارة ضوء في آخر النفق.
(الغد)