نحن نطالب بتفكير مواز لإيجاد حلول بديلة، وليس اللجوء إلى رفع سعر "الموازي" كلما ظهر عجز إضافي، كما فعلت الجامعة الأردنية التي قررت رفع رسوم البرنامج الموازي، وكذلك الدراسات العليا، بنسب تبلغ ضعف ما هي عليه الآن.
التعليم الجامعي في الأردن مكلف، ويعاني تراجعاً حاداً في الجودة، وغير مجد اقتصاديا. وحسب الإحصاءات، فإن نسبة قليلة من الطلبة يعملون في مجال الشهادة التي حصلوا عليها، ثم إن دراستهم أصلا ليس لها قيمة تأهيلية كبيرة للحياة العملية في مجال تخصصهم.
طبعا، نعرف أن الكلام أعلاه فيه تعميم مجحف بإطلاقه من دون تمييز على جميع الجامعات والكليات والتخصصات، لكن لنقل إنه صحيح بنسبة 70 %. إن الطالب يكدح أربع أو خمس سنوات ليجد نفسه بعد ذلك عاطلا عن العمل. ففي ديوان الخدمة المدنية، يجد أمامه المئات أو الآلاف ينتظرون، ولن يعرف أبدا متى يصله الدور. وبعد سنوات، قد يجد أن دوره تراجع بدل أن يتقدم، بسبب نظام النقاط؛ إذ إن "الأقدمية" هي واحد فقط من عدة عوامل. وفي نظام الخدمة المدنية الجديد تم زيادة حصة النقاط الخاصة بالأقدمية، لكن هذا لا يغير كثيرا في واقع الحال؛ إذ تمتص الوظائف الحكومية أقل من عشرة بالمائة من الخريجين.
نحن بلد عجيب في القدرة على التنظير والتشخيص للواقع، والعجز عن السير خطوة عملية واحدة لتغييره. فتاريخيا، كان التعليم الجامعي هو الاستثمار الأكبر بالنسبة لبلد يفتقر للثروات الطبيعية، مع مجتمع فتي وإنسان طموح. لكن هذا الاستثمار فقد جدواه منذ زمن، والعملية التعليمية الجامعية اليوم هي عملية خاسرة مائة بالمائة، وثلاثة أرباع الدارسين في الجامعات لا يحتاجون هذه الدراسة ولن يستفيدوا منها، ونصفهم على الأقل يمكن أن يستفيدوا فعليا من التأهيل المهني في مجالات مطلوبة وقابلة للتوسع. لكن تدخل على الخط الثقافة السائدة لتفرض استمرار النمط السائد. وتستسلم الدولة لذلك، فيتم التوسع في القبولات الجامعية، وفي ممالأة أوساط اجتماعية بالاستثناءات. كما يدخل القطاع الخاص على الخط في عملية مربحة جدا (الجامعات الخاصة)، لا تعود على مستقبل الاقتصاد والتنمية بأي فائدة.
نحن واحدة من أغلى الدول على صعيد تكلفة التعليم الجامعي، على الأقل في محيط البحر الأبيض المتوسط العربي والأوروبي. ففي معظم هذه الدول، ما يزال التعليم الجامعي للمواطنين مجانيا أو شبه مجاني أو منخفض الكلفة. وبالنسبة لبلد كالأردن، يكفي ويزيد مستوى الرسوم للتنافس العادي فهي معقولة، ويمكن التفكير في تخفيض أعداد المقبولين في الجامعات، والاستغناء عن "الموازي"، وتقليص الاستثناءات، والتوسع في التعليم المهني المرتبط بصورة وثيقة بالسوق واحتياجاتها.
طبعا، يمكن أن يقال إن حق الإنسان في الحصول على تعليم أكاديمي أعلى هو حق طبيعي يجب حفظه؛ فالمرء قد يريد التعليم لذاته وليس من أجل الوظيفة. وهذا صحيح، ويمكن الإجابة عنه بفتح مسار خاص مرن شبيه بالمراسلة للتخصصات غير العلمية، يتيح للمرء وهو يعمل أن يدرس في بيته، ويحصل على أي عدد من المواد لأي عدد من السنوات حسب همته، مقابل دفع رسوم الامتحانات فقط.
إن وجود هذه الصيغة سيشجع الكثير من الشباب من أصحاب المعدلات المتدنية أو المتوسطة، ومن ذوي الدخل الأسري المحدود، على الذهاب مباشرة إلى سوق العمل بعد "التوجيهي"، بدل الاستماتة للحصول على مقعد؛ ما دامت الفرصة قائمة ومستمرة للتحصيل الجامعي.
هذه الفكرة وغيرها اجتهادات قابلة للنقاش. لكن ليس الحل أبدا بترقيع الوضع القائم، من نوع رفع رسوم "الموازي" بسبب حاجة الجامعة لبضعة ملايين من الدنانير.
(الغد)