لا تكاد تمر ساعة من زمن، الاّ وتمتلئ إحدى الشاشات التلفزيونية أو المحطات الفضائية بندوة أو بحوار أو بنقاش أو بجدال حول الوضع في لبنان. وعادة ما يكون أطراف ذلك كلّه ممثلاً للمعارضة وآخر للسلطة وربما ثالث يأتي بينهما، إلا أنك تشعر من سياق النقاش أنه يميل إلى أحد الطرفين على حساب الآخر.وفي جميع الأحوال ترى أن غالبية الشعب اللبناني، وهي المتضرر الأوّل والأخير مما يحدث، خادمة ومستخدمة لفرسي الرهان دون أن تستفيد شيئاً، قد طفح بها الكيل، فراحت تجأر وتصيح تريد أن تستريح من هذا الوضع الذي لم يعد أحد يرضاه أو يتحمله.
سبق وأن تحديّت، في إطلالة سابقة، أن يدلني أي أحد أو يشرح لي أي مفكر أو يفسر لي أي سياسي ما الذي يجري في لبنان! مَن ضد مَن؟ مَن مع مَن؟ وما هي نقاط الخلاف بين الأطراف؟ وكيف يمكن أن تحل الأزمة القائمة منذ عام 1975؟!.
القيادات على الساحة غير قادرة على خلق حل تتفق عليه. فما يسمى بالموالاة (ولا أعرف من أين أتت هذه التسمية. بمعنى هي توالي من؟) أي فريق السلطة الذي تمثل بالحكومة، المتهمة بميثاقيتها وبالتالي المطعونة بشرعيتها، وتمثل بأغلبية برلمانية يقال إنها اشترت جزءاً من مقاعدها النيابية. وحصلت على الجزء الآخر عندما انقلبت على الاتفاق الرباعي، الذي كانت المعارضة تمثل نصفه، بعد أن استغلته السلطة فأفرزت باقي نوابها؛ وما يسمى بالمعارضة، المتهمة بأنها تريد الانتقام لهذا التصرف، كلاهما متمرس في موقعه ومتخندق في حصونه، ولا أحد يتقدم خطوة إلى الأمام. بل إن الخلاف يزداد يوماً بعد يوم، خاصة وقد بدأت الطروحات تصل إلى حد الاتهام المتبادل بالخيانة للوطن. وأخذ كل طرف يعلن أن الآخر ينفّذ أجندات ومصالح لقوى عربية وإقليمية ودولية من بينها إسرائيل نفسها. وتمادى الأمر حتى أصبح كل فريق يتهم السلطة تقول إن المعارضة تعطل مجلس النواب، وتعطل كل مبادرة تطرح للحل، وتعطل الحياة الاقتصادية بالاعتصام، وتقتل من صفوفها كل فترة احد القادة، وتخدم محوراً خارجياً، وإنها جرّت البلاد إلى حروب وويلات، وإنها أسقطت كل مسعى لإنهاء الأزمة. ولكن ومع أنها أكثرية، فإنها لم تقدر على زحزحة المعارضة عن مواقفها، وبالتالي وقفت عاجزة أمامها. والمعارضة، من جانبها، تقول إن السلطة، غير الميثاقية وغير الشرعية، هي التي تعطل كل شيء، وهي التي تضع العصي في الدواليب، وإنها هي التي تريد الفراغ والفوضى لتظل مستأثرة بالحكم. ومع كل ذلك فإنها، أي المعارضة، لم تقدر على أن تفرض على هذه السّلطة نفسها أو تفرض قرارها التي تقول بأنه محصور فقط بطلب الشراكة والمشاركة.
وهكذا فان الحوارات الداخلية عقيمة. وكل فريق يتحدث مع نفسه فقط ولا يوجه خطابه إلى الآخر. والمبادرات العربية معطّلة لأنها أصلاً نابعة من ضعف وخلاف. والمساعي الدولية مرفوضة من هذا الطرف أو من ذاك. وبالتالي سنظل في دائرة حوار الطرشان. وسيظل الشعب اللبناني يُطحن كل يوم بين حجري الرحى.