تناول الحديث ايضاً، مع المسؤول الأميركي نفسه الذي يتعاطى "الإستراتيجيا" في إدارة أميركية مهمة، رئاسة الجمهورية اللبنانية، فسأل عن المرشحين لها، وذكر أنه يسمع عن جان عبيد النائب والوزير السابق كثيراً، وعن رياض سلامه حاكم مصرف لبنان، وعن جان قهوجي قائد الجيش. ثم جرى بحث في حظوظ كل من هؤلاء وفي نقاط ضعفه وقوته وفي الجهات التي تؤيده من داخلية وخارجية. لكنه لم يخرج عن إطار البحث لإظهار ميلٍ إلى شخص بعينه معتبراً أن ما يهم الإدارة الأميركية هو انتخاب رئيس للجمهورية وفقاً للدستور. وفي نهاية اللقاء سألتُ عن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وإمكان إيجاد حل له، أجاب: "يقولون في وزارة الخارجية أن القضية التي تتداول في مكاتبها أكثر من غيرها هي الصراع المشار إليه والأزمة السورية. زار وزيرها كيري المنطقة 11 أو 12 مرة ولم يفلح في دفع فريقي الصراع إلى تحقيق تقدم جدي على طريق حلِّه. في رأيي الشخصي، هذه القضية مزمنة ومعقَّدة ولن تُحلّ بالسهولة التي يعتقدها البعض ولا خلال وقت قصير. ربما يحصل تفاهم ليس على حل نهائي لها وإنما على مبادىء وذلك بهدف إقناع حكومة نتنياهو وسلطة عباس بتمديد التفاوض".
ماذا في جعبة مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية المهمة نفسها؟
سألته بداية عن المفاوضات الدولية (الأميركية) بين مجموعة الـ5+1 وإيران حول الملف النووي للأخيرة، وعن احتمالات نجاحها أو فشلها. أجاب: "احتمالات نجاحها 50 في المئة و50 في المئة احتمالات فشلها. لكنها ستكون مفاوضات طويلة. نحن وشركاؤنا نفاوض لكننا نسأل: ما هو الموقف الإيراني الفعلي منها؟ هل رئيس الجمهورية حسن روحاني وحده الذي يدفع إلى التوصل إلى تفاهم ومعه طبعاً وزير خارجيته ظريف؟ والجواب هو أننا لا نعرف. هل يجب التعامل معهما وحدهما وهل يكفي ذلك أم لا؟ لا نعرف. ماذا عن قاسم سليماني قائد فيلق القدس والسيد خامنئي المرشد والولي الفقيه؟ هل هما مع التفاوض أم لا؟ علماً أن الأمور التقنية في المفاوضات، وهي بأهمية الأمور السياسية، صعبة ومعقَّدة". علّقتُ: لا أحد يستطيع إنكار وجود مراكز قوى في إيران، لكل مركز أفكاره وآراؤه. لكن الصحيح أيضاً، إستناداً إلى المعلومات المتوافرة، أن مراكز القوى هذه ليست متصارعة ولا متقاتلة على الأقل حتى الآن. ولا أعتقد أنها قد تواجه خامنئي الذي لولا مباركته ما تجرأ روحاني على خوض غمار المفاوضات النووية. علماً أنها أحد أبرز مصادر قوته. ذلك أنها تحتاج إلى الشرعية الإسلامية التي يوفرها لها كونه رأس النظام الإسلامي والولي الفقيه. قد تكون التصريحات المنتقدة المفاوضات والأخرى المهاجمة إياها والثالثة المؤيدة لها، على قلتها علانية، نوعاً من توزيع الأدوار، علماً أن روحاني ليس فاتحاً على حسابه وكذلك سليماني و"الحرس" و"البسيج". سأل: "كيف يمكن إنجاح روحاني أو مساعدته كي ينجح؟" أجبتُ: الموضوع لا يُطرح على هذا النحو. قد يفهم من هذا السؤال سؤال آخر هو كيف يمكن التسبب بخسارة الآخرين داخل النظام الإيراني. نجاح المفاوضات النووية يحتاج إلى موافقة الجميع وخصوصاً المرشد والولي الفقيه وكذلك فشلها. لذلك هناك ضرورة للتصرُّف على أن مجموعة الـ5+1 (مع أميركا) تفاوض إيران وليس فريقاً أو جهة داخل نظامها. وهناك ضرورة أيضاً أن تبدأ محادثات ثنائية أميركية – إيرانية حول القضايا الكثيرة الأخرى غير النووية المختلف عليها مثل الدور الأقليمي لإيران. وما يبدو أنه انتقال إيران من موقع الهجوم إلى الدفاع في شرقي المتوسط قد يساعد على جعل التعقُّل والموضوعية يسيطران على مسؤوليها كما على مسؤولي الغرب. ردّ: "يجب فكّ إيران عن الرئيس السوري بشار الأسد.
كيف يمكن ذلك؟ وما هي الروابط التي تجمعهما"؟ أجبتُ: الفكّ بين الإثنين صعب الآن. في مرحلة التفاوض الرسمي الجاري (على الملف النووي) وغير الرسمي على قضايا خلافية عدة تمتلك إيران ورقتين مهمتين هما الموضوع النووي والأسد. ستتمسك بهما إلى الآخر، وستتفاوض إنطلاقاً منهما على "الحامي" أيضاً. القصة ليست فقط دعم مالي إيراني لنظام سوريا. هناك جملة عوامل تربط دمشق وطهران. ورغم ذلك، فان إيران ليست كرماً على درب، كما يقال عند العرب. ففي إحدى المراحل، اكتشفت القيادة في طهران أن عند النظام السوري مليارات من الدولارات الأميركية، فطلبت منه أن يصرف على حربه منها وتعهدت فتح سوق العراق له. وهنا سألتُ عن التداخل بين إيران والنووي وسوريا وأوكرانيا. بماذا أجاب؟
(النهار اللبنانية)