خطاب إلى النواب .. القضاء أولا ..
04-06-2014 01:52 PM
ليس سرا أن نقول أن هناك قوى متنفذة أو تحاول أن تكون متنفذة تقاتل بشراسة ضد توفير حصانة واستقلال كاملين للسلطة القضائية، وليس سرا أن نقول إن هناك قوى فساد كامنة وفاسدين لم تصل اليهم يد العدالة بعد يتمنون أن يتسلل الفساد والمحسوبية الى السلطة القضائية وهي الوسيلة الوحيدة لحماية أنفسهم وتفادي أن يزج بهم القضاة الشرفاء خلف القضبان.
ليس سرا أن نقول إن السلطة التنفيذية وعلى مدار عشرات السنوات عملت جاهدة ليظل عنق القضاء بيدها ولم تتنازل عن صلاحياتها في إحالة القضاة الى التقاعد الا بعد صراع طويل صامت خاضه محامون وكتاب وقضاة
وليس سرا أن نقول إن القضاء الاردني الان يمر بأسوأ أوضاعه رغم كل ما نسمعه من تطوير وتحديث لم يتجاوز المظاهر الخارجية من أثاث وأجهزة ومعدات أما المعنويات والضمانات والامن الوظيفي والحصانة من التدخل والتعسف والتمييز وغياب معايير التنافس الديمقراطي والامتيازات فكل ذلك يوشك أن ينهار حتى أصبح القضاة يحاكمون ويحكمون في أجواء من القلق والتوجس ويتحسبون لشكاية هنا ووشاية افتراء هناك، والسعيد منهم من قيض له المغادرة معارا الى دول الخليج ليعود في الصيف مجازا يروي لنا كيف يكون القضاء والقضاة هناك حصانة واحترام وكفاية تامة لكل متطلبات العيش حتى لا يحتاج القاضي أحدا مهما علا شأنه، حيث لا كبير أمام القضاء.
وهناك من يزعم أن رواتب القضاة في الاردن أعلى رواتب بين موظفي الدولة وهو زعم صحيح يراد به باطل لأنهم يتناسون أن القاضي ليس قاضيا في الصباح وتاجر سيارات في الحراج مساء وأن القاضي لا يستطيع أن يكون تاجرا ولا سمسار عقارات وأن القاضي يحمل ملفات القضايا ليعمل خمس ساعات أخرى في بيته، وأن القاضي يعاني أشد الحرج أن يشتري ثلاجة أو سيارة بالتقسيط فيجد البائع وقد رفع الكلفة وجاءه بعد حين متوسطا في قضية أو أخلاء سبيل بالكفالة.
في السودان.. نعم في السودان هناك دائرة تابعة للمجلس الفضائي اسمها (إدارة خدمات القضاة) وهي مؤسسة أقتصادية توفر للقضاة المواد الغذائية بأقل من أسعار السوق، وتبيعهم الاجهزة المنزلية والادوات الكهربائية بالتقسيط حتى لا يضطر القاضي للتعامل مع التجار (بالدين).
القضية ليست قضية رواتب ولا امتيازات وانما هي قضية إغناء القاضي عن الاخرين وكفايته من خزينة الدولة وليس من جيوب التجار وأصحاب القضايا والفاسدين، وهنا يكمن سر الاستقلال والحماية من التدخلات والضغوط والمغريات حتى يتحرى الحقيقة ويحكم بالعدل مساويا بين صغير وكبير،, بين غني وفقير.. ويكون القضاء قادرا على النيل من اللصوص والفاسدين والمتنفذين آمنا من أنتقامهم ومؤامراتهم.
أيها السادة النواب : انها الفرصة الاخيرة أن ننظر جميعا الى أبعد من مجلس وسنوات.. أبعد من مصالح آنية بكثير. الى مستقبل أبنائنا وبلدنا.. الى قانون استراتيجي يؤسس لقضاء قوي مستقل محصن والى قضاة يشعرون بالامن الوظيفي ويمثل أمامهم الناس بالتساوي،, قضاء يكبح جماح السلطة التي تغري صاحبها بالتعسف والغرور.. قضاء ومدعون عامون يلاحقون الفساد أينما كان ويطهرون المؤسسات العامة من الفاسدين ويردون الحقوق للمظلومين، قضاء يهابه رجال الادارة والاجهزة الامنية، وقضاة يشرفون على تنفيذ أحكام القانون بدقة ومساواة،, قضاة لا يجرؤ أمير ولا وزير ولا مسؤول على رفع سماعة الهاتف اليهم متوسطا أو متدخلا.
قضاء يقوده مجلس قضائي تتمثل فيه مختلف درجات المحاكم مجلس لا يكون قراره بيد رجل واحد ولا يكون أي عضو في هذا المجلس عرضة للنقل أو الانتقام بالاحالة الى التقاعد، مجلس يشكل قلب القضاء وقيادته
انه مستقبل الاردن.. نعم في قانون استقلال القضاء يكمن مستقبل الوطن وصمام أمانه فنعمة الامن والامان لا تدوم بالسيف والشرطة والدرك والمخابرات وانما قبل ذلك بالعدل الذي ينتشر على أيدي قضاة شجعان بقانون استقلال يحميهم ويحصنهم ويكفيهم في كل شيء.
نعلق أملنا على نواب يعون هذه الحقيقة جيدا ونطالب اللجنة القانونية بحوار عاجل مع القضاة الشباب الذي اعدوا مذكرة مفصلة حول مشروع قانون أستقلال القضاء الذي بين أيديكم.. ومع آخرين لديهم رؤية وتجربة وخبرة.
فاذا كان الاصلاح هدفنا فليكن في القضاء أولا وقبل كل شيء.