حاجتنا إلى الوعي الاجتماعي
بلال حسن التل
04-06-2014 03:09 AM
يعاني المجتمع الأردني من مجموعة اختلالات بنيوية، أفرزت مجموعة من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية.. التي تحولت إلى أزمات خانقة؛ تتفاقم بصورة مستمرة محدثة شروخًا واضحة في سلامة النسيج الاجتماعي، والسلم المجتمعي للأردن والأردنيين، والمتأمل في مجموع المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، التي يعاني منها المجتمع الأردني، سيجد بدون كبير عناء، أن الجزء الأعظم منها ناجم عن اختلالات في منظومة القيم والمفاهيم الاجتماعية، انعكست خللاً في سلوكيات المجتمع الأردني، خاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة والتي أخذ فيها هذا الخلل صورًا عديدة منها:
إن العمل اليدوي سواء كان في الأرض، أو في المهن الأخرى، كان مجال عمل الأردنيين، ومصدر رزقهم الرئيس، فجلّ الأردنيين كانوا إلى عقود قريبة جدًا من الزرّاع والمهنيين، ولم يكن الأردنيون يعرفون العمالة الوافدة، لا في الأرض، ولا في البناء، ولا في سائر المهن الأخرى. فكيف صار العمل اليدوي عيبًا في الأردن؟. وكيف تنامت ثقافة التواكل في المجتمع الأردني، وحلت محل ثقافة «التوكل».
كذلك وإلى سنوات قليلة كان الأردني يخجل من الظهور بمظهر المحتاج الذي يطلب المساعدة، مصداقًا لقوله تعالى:»يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف»(البقرة:273). غير ان الأمر انعكس تمامًا، فصارت نسبة عالية من الأردنيين تصطف طوابير أمام صناديق المساعدات، والمعونات، بالرغم من قدرة الكثيرين من طالبي المساعدة على العمل والإنتاج ليأكلوا من عرق جباههم، كما كان يفعل آباؤهم، غير انهم صاروا يفضلون الجلوس في الظل بانتظار المحسنين، متناسين قاعدة «اليد العليا خير من اليد السفلى».
لقد ساعد على ترسيخ حالة التواكل المؤدي إلى الكسل وانعدام الإنتاج، استسهال نسبة عالية من مؤسسات العمل الاجتماعي تقديم طرود المساعدات، ووجبات الغذاء، على إقامة المشاريع الإنتاجية التي تحتاج إلى جهد للمتابعة.
كما ان العديد من الشركات والمؤسسات الاقتصادية، صارت تستخدم تقديم المساعدات الغذائية منها وسيلة للدعاية والإعلان، والتهرّب الضريبي، وهذه صورة من صور الخلل الذي أصاب منظومة القيم والمفاهيم الاجتماعية، فقد كان العمل الخيري في الأردن يتصف بالتجرد، وبكثير من الستر، والتكتم، حفاظًا على كرامة المساكين والمحتاجين، الذين كان العمل الخيري يسعى إلى إخراجهم من خانة العوز والإعالة إلى خانة الاكتفاء والإنتاج عبر إقامة المشاريع الإنتاجية، التي توفر فرص العمل للفقراء والمحتاجين.
لقد أدى ذلك كله إلى كسر حاجز لتحل محله ثقافة التسوّل، ولتستبدل ثقافة العونة بثقافة الإعانة، ولتحل ثقافة الاستهلاك محل ثقافة الإنتاج، وثقافة الجشع محل ثقافة القناعة.
ومن صور الخلل التي أصابت منظومة القيم والمفاهيم الاجتماعية أيضًا، التغيير الذي أصاب مفهوم الزواج.. فقد كان الزواج في مجتمعنا يقوم على مفاهيم الستر، والعفاف، والمشاركة، وكان المجتمع بكل فئاته يحرص على تشجيع الزواج من خلال تبسيط إجراءاته، ومتطلباته قبل ان يتحول في السنوات الأخيرة إلى عبء اقتصادي ثقيل، بسبب مظاهر النفاق الاجتماعي التي صارت جزءًا من طقوس الزواج في بلادنا، ابتداء من الجاهة الضخمة وتكاليفها الاقتصادية مرورًا بحفلات الخطوبة والزواج، تعريجًا على الأثاث الفاخر، وصولاً إلى شهر العسل وكلها طقوس مكلفة، لا قبل لنسبة تتزايد باستمرار من الشباب الأردني على تحملها، مما صار سببًا في زيادة نسبة العنوسة من جهة، ورفع نسبة الطلاق الناجمة عن التوترات الاقتصادية التي تسببها تكاليف الزواج من جهة أخرى، وصولاً إلى ارتفاع حالات الانحرافات الأخلاقية والهزات الاجتماعية الناجمة عن تعقيدات إجراءات الزواج، وكلفه العالية في مجتمعنا من جهة ثالثة، جراء روح التكافل والتضامن والرقيب الاجتماعي الذي كان يردع الكثيرين عن الممارسات الخاطئة ومنها تحويل الزواج إلى صفقة ترهق الشباب وتجعلهم عاجزين عن تحمل تكاليفها.
ومن صور الخلل التي أصابت منظومة القيم والمفاهيم الاجتماعية في مجتمعنا النظرة إلى المال العام، ذلك أن الحفاظ على المال العام، ورفض استثمار الوظيفة بالرشوة وخلافه، كان من ثوابت السلوك لدى الأردنيين. فلماذا صار الإخلال بآداب الوظيفة، والاستهتار بالمال العام، وانتشار الرشوة ممارسة يومية يشكو منها الأردنيون يوميًا، ولكنهم يمارسونها بصور مختلفة يوميًا أيضًا؟.
كل هذه الاختلالات السلوكية، الناجمة عن التشوهات التي أصابت منظومتنا القيمية ومفاهيمنا الاجتماعية والتي أفرزت أزمات اقتصاديةً، وأزمات اجتماعيةً سببها انهيار في الوعي الاجتماعي لدى الأردنيين، الذين ارتقت شرائح كثيرة منهم في الدرجات العلمية، دون ان يكون ذلك مصحوبًا بتطور اجتماعي ينعكس سلوكًا.. وهو خلل ناجم في الأساس عن تقاعس مؤسسات بناء الوعي مثل: الأسرة، والمدرسة، والجامعة، والإعلام، والمسجد ومن ثم سائر مكونات المجتمع الأهلي عن القيام بدورها على الوجه الأكمل، لبناء منظومة قيمية متجانسة، ومتكاملة. مما يستدعي منا جميعًا العمل على إعادة بناء وعينا الاجتماعي لإيجاد حالة من التوازن بين مستوى التطور الاجتماعي والتطور التعليمي في بلدنا، وهذا يستدعي منا مراجعة المضامين القيمية للتعليم التي تراجعت خلال العقود الأخيرة، فركزنا على التعليم دون التربية. فكان هذا الحصاد المُر الذي صار لا بد من علاجه من خلال التركيز على المضامين القيمية للتعليم والتي تسهم في بناء الوعي الاجتماعي، الذي يتجسد تطورًا اجتماعيًا، وبدون هذا التوازن بين التطور العلمي، والتطور الاجتماعي، سنظل نسكن الڤلل الفارهة، ونتصرف تصرف سكان العشوائيات في الوقت نفسه.
(الرأي)