"ما أحزنني ليس كذبك علي، بل أنني لن أصدقك بعد الآن" (فريدريك نيتشه).
فقدان الثقة بين المجتمع والدولة وحكوماتها ليس وليد اللحظة، ولا يتعلق بحكومة محددة، بل هو حالة مستمرة، ساقتها ظروف كثيرة. ولعل الأبرز فيها على الإطلاق تعامل الحكومات مع الملفين الاقتصادي والسياسي.
فليست القصة مرتبطة بعامل خارجي طارئ ينتهي بنهاية مسبباته، بل تكاد تكون حالة متأصلة في وعي الطرفين، فكل ينظر إلى الآخر نظرة مليئة بالشك والريبة، وهذه الأحاسيس ليست وليدة الفراغ، فعندما تقدم الحكومات مشروعا ما أو فكرة ما يبدأ الشك في كل خطوة تقوم بها، وكأن تلك الحكومة من مخلفات العهد العثماني أو الاستعماري.
وهذا له مبرراته؛ فقد عجزت الدولة ومؤسساتها المختلفة عن ترسيخ قيم المواطنة بين جماهيرها، وتلاعبت على التناقضات لتضمن استمراريتها، في حين كان الأجدر أن تقوم بتعزيز قيم المواطنة والديمقراطية، لتصل إلى حالة من الوفاق بينها وبين ناسها، ولتبدد الخوف وعدم الثقة في كل ما تقوم به حتى ولو كان إيجابياً للمجتمع والناس.
وضمن الأساليب التي مارستها في عدم قراءتها للواقع قراءة موضوعية، لتخفف من حالة عدم الثقة بين الدولة والمجتمع، اعتماد مجموعة من الأساليب التي تعزز من السلوك العدائي تجاهها؛ تغليب الحل الأمني على الحل العقلاني، وضبابية المواقف السياسية التي تتخذها، في حين أن الشفافية تشكل الخروج من عنق زجاجة الثقة.
وكذلك اعتمادها على منظومة سياسية وإعلامية مهترئة لتقديم صورة منجزها للناس، وأصبحت هذه المنظومة تشكل حالة من التندر والفكاهة للناس، عندما تجاوزت كل التقاليد في استغلال الفرص لتحقيق مكاسب شخصية. والحكومات هي التي شجعتها على ذلك.
ثم ما لبث القطاع الخاص أن زاد من أزمة الثقة تلك، عندما لم يقم، في أغلبيته، بدوره في المسؤولية الاجتماعية والاقتصادية التي يفترض عليه أن يقوم بها ليخفف من سخط الناس على الحكومات، وذلك بعدم توفير فرص العمل وتحسين البنية التحتية والاقتصادية، فبدا هذا القطاع جزءا من الأزمة وليس جزءا من الحل.
وهكذا يتم تدوير المشكلة على مر الحكومات ومر السنوات، والأزمة تتفاقم من دون محاولة جادة من الحكومات تقديم مبررات لأفعالها، فهي تخفق في أغلب الأحيان في توصيل رسائلها للمجتمع لتأتي بنتائج بعكس توقعاتها.
فبالنسبة لرفع أسعار المحروقات مثلا، فلغاية هذه اللحظة لا يعرف أحد على أقل من أمثالنا، عن الآلية التي تنتهجها الحكومة في التسعير، وهناك الزيادة المفرطة في الضرائب وغيرها، ومعالجة مشكلتي الفقر والبطالة، والتعامل مع الملف السياسي في شقه الإقليمي؛ سورية، والعدو الصهيوني، ودول الخليج، وملفات اللاجئين والنازحين الفلسطينيين، وغيرها من الملفات العالقة، كما علاقتنا بالغرب والولايات المتحدة.
هذه القضايا مجتمعة تشكل جزءا من أزمة الثقة التي ندفع ضريبتها مضاعفة!
(الغد)