في عيد ميلادها»الثالث والأربعين»أنتَقي حروفي من خَرَزٍ أزرَق دَرءاً عن العين لصاحبة القلب الأزرق»خارطة الوطن العربي»ألذي شاء لها رجالها ألأوائِل,كما شاءَ لها عُشّاقها,ومُحبّوها أن يخفِق على صدر صفحتها الأولى مُنذُ أن أنجبها الأردن لتكون حكايةَ وطنٍ,وأرضٍ,وشعبٍ,وتاريخٍ,وتُراثْ.
في عيدها الثالث ولأربعين,نُعِدُّ لها الحلوى من حليبها الحلال الذي منها رضعناه,وبعرق أبناءها المُنتمين,وبالغزيرِ من مطر رِضا قُرائها هُنا,وعلى مساحة الأرض التي ينطق لسانها بحرف»الضاد»...ونُلبِسُ صاحبة»ألثالثة والأربعين»عباءةً حاكتها عيون الساهرين سواء كانوا خلف مكاتب التحرير,أو يجوبون المحافظات,والألوية,والبوادي,والقرى بحثاً عن ولائمها من الأخبار الصادقة التي ستولمها للقراء على مساحة العالم الناطق بلغة «الضاد»أيضاً,أو من تعب الذين يتصبّبون عَرَقاً,أو يرتَجِفون بَرْداً على حديد مطابعها الذي لن يصدَأ...وفي فجرها»الثالث والأربعين»,نُشعِلُ شموعاً لَهَبها ذكريات الزمن الجميل والذي نراهُ يمتد ليكون الأجمل.
وطالما أننا أتينا على ذِكْرِ تلك الذكريات فإني وكأحد عُشّاقها الكُثْر أجد نفسي,وللأمانة مُلزماً بسردِ بَعضٍ مما حدث معي شخصيّاً,ولن أنساه...ففي أحد شهور رمضان المُباركة الفضيلة,كُلّفتُ بكتابة حكاية يومية عن الفقراء,والمعوزين ليتم نشرها ضمن مُلحق خاص تُصدرهُ»الرأي»,وذات يوم وكان على ما أذكر نهار خميس,رنَّ هاتفي الجوّال وكان علىالطرف الآخر مُستشار الملك آنذاك»يوسف الدلابيح» ليخبرني أن جلالته يحرص على قرائة تلك الحكايا وأنّه تأثر كثيراً لدى إطلاعِهِ على إحداها,لذلك فإن جلالته يطلب مني مرافقةالدلابيح لزيارة تلك العائلة التي كانت تسكن في إحدى القرى النائية قرب وادي راجب في عجلون,فانصعت لأمر مولاي الذي كان ولا يزال يتابع أحوال شعبه عن كَثَب,وفي اليوم الثاني وكان الجمعة,ولدى وصولنا إلى راجب أبلغت الدلابيح بضرورة زيارة مسجدٍ هناك للصلاةِ فيه,وكانت غايتي الخفيّة إطلاع الملك ومن خلال مستشاره السابق على أحوال ذلك المسجد الأثريّ,العتيق والذي سقفه يكاد يكون آيلاً للسقوط,سألني الدلابيح:ألستَ أخاً مسيحيّاً؟,قُلت له بلى,لكننا في «الرأي» تتلمذنا على اليد الهاشميين التي تُمسك بميزان العدالةِ,والمُساواة,وللأمانة فقد علمت فيما بعد أن «سيدنا»كعادته دوماً كان»أبوالفزعات»,وأنقذ المسجد فاعتراني فرحٌ غامر لسببين ألأول تجاوب جلالته الفوري,اما الثاني فلأنه صَدّقني بصفتي كاتباً في «الرأي».
ولا يمكنني نسيان تلك الزيارة التي شَرّف بها جلالته «الرأي» كانت حميميّة إلى أبعد الحدود,وكنتُ وقتها أقوم برحلات بحثيّة للصحراء ألأردنية,كانت تُنشر على حلقات بعنوان «صهيل الصحراء»,وأثناء وجود جلالته أبلغني رئيس التحرير حينها «عبد الوهاب زغيلات» أن الملك يرغب برؤيتي,وأذكر أنه قال «لسيدنا» حين قَدّمني إليه»هذا أبو الصحراء يا مولاي»...وبعد حديثٍ لم يكن طويلاً مع جلالته أبدى اهتمامه بهذا العمل الذي كنت أقوم به من خلال «الرأي»,وفي صبيحة اليوم الثاني فوجئت بزميلنا الأخ «أمجد العضايلة» مدير مكتب إعلام الديوان الملكي آنذاك,يهاتفني ليبلغني بأن جلالة الملك ألذي كان متواجداً في المطار ليغادر للقاهرة في زيارة قصيرة طلب منه أي «العضايلة» إبلاغي بضرورة إتمام ذلك المشروع,وأن جلالته يرغب مني للمثول بين يديه من أجل تذليل أي صعاب قد تعترضني في إتمام مشروعي البحثي والذي توجته «الرأي» بأن قامت بطبع جُزئيه على نفقتها...فكيف أنسى؟.
هناك الكثير مما يتذكره عاشق «الرأي» عن عَسَل «الرأي»,ويَصْعُب على ألسنة الأوفياء نسيان حلاوة مذاقه,لكن المساحة هنا لا تكاد تكفي,فأعتذر.
ل»الرأي» وبعد مَشيبي أقول:إن كُلّ طيرٍ سكنَ أعشاشَ سقفك وأنا منهم أسمعه يُغرّد»سَلمتي,وصَحّ لسان ورقك أيتها النابضة بحب الأردن,وشعبه,يا وفيّةً للضاد ولشرف المهنة يا «زرقاء اليمامة»....
(الرأي)