في الحديث عن عودة الحواتمة ..
عادل حواتمة
01-06-2014 04:20 AM
لم أكن أتوقع أن يكون الإهمال والتقصير والتشهير والمعاملة بالازدواجية والتخلي عن الواجب، أسباباً تدفعني للكتابة عن الجيش العربي، نقداً لا انتقاصاً، إدارة لا مؤسسة، بطريقة مغايرة عما كتبت عنها وعن إنجازاتها وسأبقى. سأكتب ولست مدفوعاً بعصبية ولا جاهلية، ولكن في القلب أسى عما جرى من تفاصيل وفاة الجندي في الجيش العربي، المرحوم بإذن الله "عودة الحواتمة".
"عودة " سفير أهل الارض لأهل السماء الذي فاضت روحه الزكية العطرة لبارئها والذي يحمل بنفسه غصة الألم الذي يعتصره من تخلي رفاقه في السلاح عنه بحجج واهنة وهو يكابد مع أهله ورجال الدفاع المدني لأكثر من أربع ساعات معاناة الانتقال لأقرب مستشفى.
" عودة " الذي لفحت وجنته شمس الأردن وأكسبته لون الرجال، والذي تفوح رائحته جندية وبسالة، الذي اختار أنبل وأشرف وظيفة في الانسانية جمعاء بأن يكون جندياً يذود عن حمى وطنه هذا ما آمن به وأهله، في حين يتعامل البعض مع ذلك بعنوان " لزوم ما لا يلزم" .
"عودة " الشاب الاردني الذي حمل بندقية الشرف والشهامة ، في الوقت الذي تركها غيره وركن الى رغد العيش معلنًا تقاعده مبكرا عن خدمة وطنه. "عودة" الذي رحل عنّا وقد اختار أن يكون آخر عهده بالأردن متنسماً لهواء جباله ووديانه، معبراً عن درجة التحامه بوطنه، زاهداً بأمكنة الترفيه التي تصرف الوطني الحقيقي عن خدمة بلده.
بعد كل هذا تمت المكافأة بالتقاعس و الخذلان و الانشغال عن إسعافك، بمنطقة تجول سمائها طائرات سلاح الجو الملكي بحثاً عمن يفقد من "سواح" في المنطقة كان آخرها قبل اسبوعين بحثا عن سواح من "السويد ". حقاً ليست هذه قيمة الجندي في القوات المسلحة الاردنية .
تحدث نائب المنطقة مشكورا عن محاولاته المتكررة الاتصال مع المسؤولين في الحكومة والتي للأسف لم تثمر في تأمين طائرة لنقل المرحوم " عودة " وذلك لعدم قدرة الدفاع المدني على الوصول للمنطقة نظراً لتضاريسها الصعبة، ولعّل الحكومة هنا تمارس دور " الكنة والحماة "، لا الجهة المسؤولة والتي كُلّفت على أن تقف لجانب المواطن الأردني بمؤسسية بغض النظر عمّن يمثله.
فالحقيقة أن هناك استياء عام من كل هذه التفاصيل المخجلة و المخزية ، في الوقت الذي تتشدق به الحكومة عن "الأتمتة" و أنها حكومة إلكترونية ، نجد أن المسعفين استعانوا بالدواب لنقل المصاب في القرن الحادي والعشرين .
والمؤسف أن يمارس البعض الكذب والتدليس إلى جانب التقصير والاهمال ، فـ بحسب رواية النائب المحترم بأنه تم تبليغه بوعورة المنطقة و من الصعوبة تحديد موقع هبوط للطائرة ! الجميع تحدثوا عن عدم وجود طائرة والا لكانوا التقطوا لها صورة على الاقل ، وحتى لو كان الوضع كذلك فهذا هو المبرر لطلب الطائرة ! ألم يكن بالإمكان انقاذه عن طريق الحبال المخصصة لمثل هكذا حالات؟!كثيرةً هي المشاهد التي تابعتها من حبي للجيش وهم يطبقون تمرينات مختلفة من إنزال وغيره من الطائرات العمودية دون الحاجة لهبوطها.
لن أتحدث عن الكيفية والتكلفة التي تم انقاذ الجندي الصهيوني شاليط بها من الأسر وهو جندي يحمي الباطل ، ولكني أعلم بأن " عودة " جندي الحق وأمثاله من الاردنيين الشرفاء يفخر بهم وطنهم وقائدهم.
نم " عودة " وأنت قرير العين فأنت أولاً وقبل كل شيء أردني أبيّ ، تنحدر من قبيلة "بني حميدة" حالها كحال كل القبائل الاردنية بلا مزاودة، انحازت مبكراً للحرية والعزة والكرامة ، الضاربة جذورها بأرض الأردن انتماءً وعزا وفخاراً والتي عُرف عنها اغاثة الملهوف وتأمين الخائف، و التي ثارت على الدولة التركية في نهايات القرن التاسع عشر رفضاً للظلم والمهانة والتي أسست لأن يكون للعرب كلمتهم وكيانهم، و للأردن مهابته وسيادته.
لمن لا يعلم ينتمي لعائلة المرحوم الشيخ " حمد بن حاتم" والذي وقّع بتاريخ 5/8/1920 إلى جانب شيوخ ووجهاء شرقي الاردن على رأسهم عودة ابو تايه، وثيقة ترفض فصل فلسطين العربية عن سوريا الموحدة، ورفض وعد بلفور وتوطين اليهود، معبراً عن وعي سياسي مبكر في الوقت الذي مرّ على ذلك ما يقرب من مئة عام والمنطقة اليوم تعاني الفقر والتهميش والإقصاء . كما قدمت الشهداء فداءً للأردن والعروبة منهم الشهيد" سليمان درويش الحواتمة" والذي استشهد بنيران الغدر الصهيوني بالأغوار.
لعّل المسؤولية المباشرة وغير المباشرة تقع بالدرجة الأولى على الحكومة ممثلة برئيسها وزير الدفاع، بسبب التقصير في عملية الإنقاذ.
والذي لم يتكلف هو أو من ينوب عنه بزيارة لبيت العزاء حتى تاريخ كتابة هذا المقال، لتهدئة خواطر أهل الفقيد الذين يتجرعون مرارة فقدان ابنهم ، والذين يعوا جيداً بأن الأعمال التي من شأنها أن تضر الوطن والممتلكات، وتؤثر على المواطنين كالتي يقوم بها البعض في حالات مشابهه، ليست الشكل الصحيح للتعبير عن غضبتهم فهم يعلمون جيدا بأن معركتهم مع العدو الصهيوني المتربص بالأردن شراً ، و حربهم على الفاسدين، لا مع هذا الوطن. للفقيد الرحمة، و لأهله الصبر والسلوان، وللأردن العز والشموخ بقيادة جلالة الملك.