لم تأت الانتخابات المصرية بجديد سوى حجم الاوراق الباطلة التي تفوقت على المرشح الرئاسي حمدين صباحي , فالمشير السيسي محسوم فوزه حتى قبل الانتخابات , لاعتبارات كثيرة اهمها ان المصريين في دورة انتخابات 2014 كانوا اقرب الى مفهوم التفويض منهم الى مفهوم الانتخاب , وكل استطلاعات الرأي القبلية كانت تشير الى ان حمدين سيحصل على 3% من الاصوات والسيسي على 76% وهناك 21% مترددون , طبعا هذه النِسب للاصوات الراغبة بالمشاركة في الانتخابات .
وإذا قُدّر لتجربة خارطة الطريق المصرية ان تنجح فإنها مدينة للمرشح حمدين صباحي الذي انقذ ماء وجه الدولة المصرية بقراره خوض الانتخابات الرئاسية , وسيسجل التاريخ المصري لهذا الشاب انه جار على نفسه وقبل الدخول في معركة محسومة سلفا من اجل استمرار حركة التاريخ وحركة الثورة المصرية وسيرورتها , بل انه يصلح لأن يكون نموذجا لكثير من الساسة العرب لادراك مفهوم التضحية الوطنية .
الاصوات المهولة التي حصل عليها المرشح السابق والرئيس القادم لمصر الشقيقة عبد الفتاح السيسي لن تكون مريحة في خطواته الاولى نحو مقعد الرئاسة , فهناك كتلة صعبة المراس تنتظره على قارعة الطريق وفي الميادين من انصار خارطة الطريق « مجموع اصوات حمدين والاصوات الباطلة « وهي كتلة ضخمة تفوق المليوني صوت انتخابي وهذه الكتلة تساوي في الحراك الشارعي وفي التظاهر ضعف تعدادها الرقمي والمفروض ان ينتبه الرئيس القادم وفريقه الرئاسي الى مطالب هذه الكتلة وضرورة تبديد هواجسها المشروعة , فهي تخشى على ثورتها وتخشى من عودة شكل النظام السابق وسلوكه السياسي والاقتصادي .
خطورة هذه الكتلة الضخمة انها من رحم خارطة الطريق ولكنها تختلف في النهج معها وليس مع منهجها , فهي آمنت بأن الجماعة الاخوانية حادت عن درب الثورة وخالط سلوكها الرئاسي شوائب الاقصاء والعشيرة التنظيمية والتحالفات المشبوهة مع الارهاب وحركاته , وانقضاض على الدولة المدنية , ولكنها في الوقت نفسه ترفض الرد على الاقصاء بالاقصاء الا لمن حمل السلاح في وجه الدولة ومارس ترويع المصريين وتريد تسريع خطوات الاصلاح الديمقراطي وانهاء العنف الرسمي وسطوة الاجهزة الامنية والعسكرية وترفض اكثر هدر كرامة المواطن في اقسام الشرطة وفي المؤسسات الرسمية وارتفاع اعداد العشوائيات وغياب الامل بالبطالة والفقر والاستبداد والفساد .
صحيح ان الرئيس السيسي يأتي مسلحا بتفويض شعبي قارب على مجموع ماحصل عليه مرسي ومنافسه شفيق « اي تيار الاسلام السياسي والثوري الجديد وانصار النظام السابق معا « لكنه محاصر بهذا التفويض اكثر من حصاره من الخصوم السياسيين على اختلاف تلاوينهم , فالتفويض قصير النفس ولن يصبر الناس طويلا على الاوضاع السائدة وعلى الرئيس الجديد , ان يبدأ على الاقل بقرارات واسماء تعيد للناس الامل بالتغيير وبداية السير على الطريق الصحيح , وبإجراءات سريعة لضبط الامن دون المساس بالحقوق المشروعة للشعب المصري بالتعبير عن رأيه بكل الاشكال السلمية وأول خطوة هي ضبط الانفلات الاعلامي , المدعوم من الامني والرئاسي فكل العويل من اجل السيسي لم ينجح في تسويق السياسة الجديدة وفشل في تحشيد الناس نسبيا , فهذه خطوة اولى لكي يمارس المواطن المصري استعداده للانتخابات البرلمانية دون عويل وضجيج , كي ينتخب برلمانا قادرا على حمل المهمة وكذلك برلمان دون قناني الزيت ورشوات رجال الاعمال .
حمدين نجح في تقديم نفسه وتاريخه قربانا للدولة المصرية وخارطة الطريق , والسيسي نجح في الحصول على التفويض اللازم كي يبدأ ما وعد به , والانتظار لن يطول على الاقل لبداية صحيحة بعودة السلم الاهلي ومحاولة توحيد المجتمع المصري وطي صفحة الماضي من خلال الاحتكام لمفهوم العدالة الانتقالية التي فشل مرسي وجماعته في فهم ضرورتها .
(الدستور)