لن أصير ناسكاً .. *ناهض الوشاح
31-05-2014 02:36 AM
عمون - لم يكن البئر بعيدا والزاد لم يكن قليلا ... والمرشد لم يكن الا ملاكا حمله من أقصى الليل إلى أعمق نور ... نور على نور كانت الرحلة تتجلى في كل دقيقة حقيقة تُتلى إلى قيام الساعة .
أحببناك بألسنتنا وقلوبنا تزيغ أمام كل ما يلمع في كون يغرق في ضوضاء عتمته ... حاولنا تقليدك في طفولة ورثناها من وضوء الجدة بماء زمزم الذي أحضرته معها في رحلتها الأولى إلى ديارك المقدسة ... المشرب لم يكن بعيدا والمغطس كذلك لكن الماء يتشابه بالألوان ويختلف بالصفات ويتسامى بالتقديس ...
حاولنا رسمك في قلوبنا .. حفظنا شيئا عن طفولة مليئة بالفقد ... ضمتك مرضعة إلى صدرها حتى بلغت الأربعين لتضم العالم كله إليك ... يارسول الله ...
(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ) .
آمن الأنبياء والرسل به قبل مجيئه وعلموا من الله ما لا نعلمه ... حتى جاء موعد رحلته إلى السماء ... على جناح ملاك .. وليس على جناح طائرة حديدية ... طريقه الصعود إلى الأعلى أبواب تحرسها الملائكة وتنتظر من الطارق أن يجيب ... من معك يا جبريل ... ؟؟
حبيب الله ورسوله ... وصل الخبر وفرح أهل السماء بضيف اسمه مكتوب على أبواب الجنة .
ورأى ما رأى سُررٌ مرفوعة وأكواب موضوعة لحشود مرصوفة تلتفت ذات اليمين وذات الشمال حميم وظل من يحموم ...
ما كذب الفؤاد ما رأى ... وكثير من الخلق جاءوا ليماروننا على ما رأى ... صدّقه القريب والبعيد وكذبه شرذمة ورثت الخداع والكذب من فرس وروم وزنج وصقالبة وبربر ... أفعال مكسورة لماض معلول .
سحروا عقول الناس بكل ما هو جديد ... يحترفون الوعظ الكاذب والدين الكاذب والقهر الكاذب حتى صدّقهم صغارنا وتبعهم جُهالنا في تضاد الأزمة العميقة للهوية البشرية .
ألم آتيكم بها بيضاء نقية يا عمر ... (والله لو أن موسى حيا بين ظهرانيكم ما وسعه إلا أن يتبعنى(
فلماذا كل هذا الخلط بين ثقافة الإسلام والاستسلام ... أي عورة نسترها الآن أمام سماسرة البلاد وأعناق العباد ... ونحن نتقلب كأسماك تطلب الماء ولا تجد سوى النار ملاذا أخيرا لحرق كل مراحل غيها وضلالها وعبثها وموتها .
تاريخ طويل من التبعية وانحناء القامات المنكسرة للعباءات المطرزة بالغش والخداع والتلفيق الذي لا ينطلي إلا على الذين امتهنوا تراتيل الذل وأغمضوا قلوبهم على اتباع رجل أعور ملأ حكما بيديه ما شاء الله له أن يحكم .
اللباس الأبيض لا يدل على نقاء الروح ... والماء المقدس لن يغسل أيدٍ تحمل زهورا في اليمنى وخنجرا في اليسرى يقطر من دماء أبرياء وشهداء لم يعودوا في هذا الأسبوع ... بقيت ظلالهم تسكن في أعين القتلة والسفاحين الذين يُشعلون الشموع في كل ليلة تقربا من رب يظنون أنه خالقهم وحدهم ووحدهم المختارون في رحلة مشرق الأرض إلى غروب الشمس من مشرقها .
ما يحدث أشبه بحفلة تنكرية ... تصغيرا للشعوب المسلمة وتعظيما لقوى الشيطان ... التي تجسدت بشهوة السلطة والنزوع إلى التحكم بمصير البشر السائرين نياما وعيونهم مُفتّحة على اللاشيء.
نظر علي عزت بيجوفتش في كتابه الإسلام بين الشرق والغرب إلى حالنا ... فقال:
_قد آن الأوان لتحطيم هذه الأغلال .. من خلال مفاصلة حقيقية بين الشعوب وبين الأنظمة الحاكمة التى يرتزق بعضها من قوى أجنبية .. وتستمد شرعيتها ووجودها من مساندة هذه القوى لا من شعوبها .. هذه المفاصلة هي أول خطوة لازمة لحشد طاقات الأمة وضبط حركتها في الاتجاه الصحيح لمواجهة التحدي والصمود أمام الهجمة الإمبريالية الصهيونية ...
وكلنا يعلم أن الإسلام هو الفكر الوحيد القادر على تحريك الشعوب المسلمة .. وبه فقط يمكن القيام بأي إصلاح حقيقي في العالم المسلم .. وقد تكون هذه مفاجأة لكثير من المثقفين الغارقين في وهم العلمانية والعولمة الأمريكية .. وفي تقديري أن هؤلاء المثقفين لم يقدّروا الإسلام حق قدره ولا أدركوا مكانته في قلوب وعقول الشعوب المسلمة .. فلندعهم فى غيهم يعمهون ...!
ولكن الإمبرياليين الجدد يعرفون هذه الحقيقة ويدركون خطر الإسلام على مخططاتهم الاستعمارية .. من هنا كان حرصهم على استنزاف عناصره الفاعلة التى يتقوّم بها وجوده وحياته. فهم يريدون إسلاما بلا جهاد ولا استشهاد ولا فاعلية فى المجتمع .. إسلام صامت ساكن فى المساجد أو فى المقابر وفى حلقات الذكر الفلكلورية الراقصة . ومن ثم وضعوا كل حركات المقاومة الإسلامية الفاعلة أو المسلحة على قائمة الإرهاب .. التي ينبغى العمل للقضاء عليها .. بل ذهبوا أبعد من ذلك أشواطا كثيرة في محاصرة وتجفيف ينابيع الحركات الإسلامية غير المسلحة التي لا تعتمد الصدام أسلوبا في العمل السياسي و الاجتماعي .. أقصد على وجه التحديد حصارها بالقوانين الاستثنائية، وبالتشويه الإعلامى الرسمي المضلّل .. وضرب مواردها المالية والاجتماعية .. ووضع السدود والحواجز بينها وبين جماهير الأمة المتعطشة إلى العدالة، الكارهة للفساد والاستبداد.