الشجاعة والكرم في محتواهما الحديث
ابراهيم غرايبه
29-05-2014 02:45 AM
العقل الأخلاقي العربي يقوم على الشجاعة والكرم. والتقدم الاجتماعي والتنافس على القيادة يدوران حول هاتين الفضيلتين. فقائد القوم هو أشجعهم وأكرمهم، وفي التراث العربي "سيد القوم خادمهم"؛ بمعنى أن من يسود قوما يجب أن يخدمهم، أو أنّ من يخدم القوم يسودهم.
والواقع أن مصالح الناس وأعمالهم وحياتهم، كانت تقوم على الشجاعة والكرم. ففي هذا القانون الأخلاقي، كانت المجتمعات تحمي الحقوق، ويسود الأمن والسلام؛ الشجاعة بما هي حماية للقيم والمصالح العامة المنظمة لحياة الناس ومصالحهم، والكرم بما هو خدمة عامة يقدمها كل واحد لمن يحتاجها. ففي السفر للتجارة وقضاء الأعمال، كان الناس في حاجة لمن يضيفهم، والقوافل التي كانت تعبر بين البلاد كانت الشجاعة تحميها وتضمن الأسواق والحقوق. وفي هذه الثقة التي تنشئها قيم الشجاعة والكرم، تزدهر الحياة والأعمال والزراعة والتجارة!
وفي قصة النبي إبراهيم عندما مر به مسافرون لم يكن يعرفهم، قدم لهم الطعام فورا، "فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً"؛ لأن تقديم الطعام كان إشارة للسلام والتضامن، وفي المقابل فإن الامتناع عن قبوله هو إعلان حرب!
الشجاعة والكرم يبقيان على مرّ العصور أساس التنافس القيادي، وقانون تنظيم الحياة والمصالح. ولكن محتواهما يتغير بالتأكيد حسب أسلوب موارد الناس وحياتهم وأعمالهم. إذ في المجتمعات الحديثة المدينية غالبها، وفي الدول الحديثة القائمة على انتخابات وسلطات ومحاكم وجيوش وأجهزة أمنية، فإن القانون وسيادته هما ما يحمي الناس ويشيع الثقة الضامنة للأسواق والمصالح والملكيات والحقوق، ولم يعد تقديم الطعام (غالبا) ضرورة تقوم عليها حياة الناس وأعمالهم. ففي الوسائل الحديثة وزمن التكنولوجيا والتقدم، صار السفر والضيافة سوقا مستقلة عن المجتمعات، بل إن الناس اليوم تعاني من السمنة والطعام الزائد أكثر من الجوع، وتنفق على إنقاص وزنها والأمراض المتصلة بأسلوب التغذية وفائضه، أكثر مما تنفق على طعامها.
ما محتوى الشجاعة والكرم في المجتمعات والدول الحديثة؟ مؤكد أن الحاجة لقيم الشجاعة والكرم مستمرة، ولكنها لم تعد النخوة لحماية الناس والمستجير، فهذه وظيفة الدولة ومؤسساتها؛ ولا في الولائم والطعام، إذ لم يعد ثمة حاجة لذلك.
ولكن الشجاعة اليوم هي حماية العقد الاجتماعي المنظم لحياة الناس وعلاقاتهم بعضهم بعضاً وبالدولة والأسواق، أو ببساطة هي قدرة الناس على تنظيم السلطة والأسواق والمجتمعات على النحو الذي يحمي الموارد والحقوق والحريات. ويكون واجب كل مواطن هو المشاركة في هذا العقد، عبر التأثير والعمل الجماعي والمشاركة العامة والانتخاب والإعلام والثقافة والفنون والحياة اليومية...
أما الكرم، فهو بالتأكيد يقوم على العمل التطوعي والخدمة العامة والمسؤولية الاجتماعية للأغنياء والشركات.
(الغد)