يفترض أن يعكس مجلس النواب الأولويات الاجتماعية والسياسية التي تشكلت عبر السنوات الماضية ومن خلال التحولات الجارية والتي تحاول المجتمعات تأكيدها وتحقيقها فهل ثمة علاقة فعلية تبدو في الأفق بين المطالب والأولويات وبين الحراك المتوقع للانتخابات النيابية؟ولكن قبل أن نحاسب الحكومة والنواب والتشريعات المنظمة للحياة السياسية والانتخابات فإن ثمة سؤالا بديهيا هل تبلورت هذه الأولويات والمطالب الاجتماعية بوضوح لدى الحركات الاجتماعية والمجتمعات لتتحرك على أساسها؟ هل ثمة إدراك للمشكلات والأولويات في مجالات الحريات والحقوق العامة والتعليم والرعاية الصحية والاجتماعية والضرائب والعمل والبيئة والإسكان؟
ثمة شعور عام بالمعاناة والضائقة في المجتمعات والطبقات المهنية والحرفية وفي الريف والبادية، ولكن لا يبدو واضحا أن ثمة قوى اجتماعية تعبر عن هذه المعاناة والمطالب، ولا يبدو سوى مطلبين واضحين ومسموعين، أولهما يعبر عنه اتجاه يمضي في تطبيقات وبرامج معزولة وفوقية لا علاقة للمجتمعات والناس بها، ولا يعلمون خيرها من شرها، ولم يستشاروا بشأنها ولا شاركوا في التخطيط لها وفي إدارتها وتصميمها، وثانيهما مطالب عامة مستمدة من الزمن الجميل عندما كانت الدولة تملك وتدير الخدمات وترعى وتدعم الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
هناك أسئلة واضحة حول تدهور وتراجع مستوى الخدمات الأساسية وفي الوقت نفسه ارتفاع تكاليفها، فالدولة تزيد جبايتها للضرائب وتتخلى في الوقت نفسه عن كثير من الأدوار والخدمات تاركة المواطنين ليدفعوا بالإضافة إلى الضرائب أعباء مالية جديدة بدلا من خدمات واحتياجات كانوا يحصلون عليها مقابل الضرائب، ولكن ليس ثمة إجابات واضحة حول كيف يرتفع مستوى المعيشة والرفاه والتنمية البشرية والحريات والشعور بالرضا والانتماء والمشاركة لدى المواطنين.
تحتاج المجتمعات وبسرعة تستبق الانتخابات أن تشكل نفسها وفق الرؤى والمطالب التي تسعى إليها سواء كانت محافظات ومدنا وبلدات أو جماعات أعمال ومهنا وحرفا أو طبقات اجتماعية واقتصادية أو حركات سياسية واجتماعية تقوم حول السياسة العامة وبرامج الخدمات والاحتياجات الأساسية للمواطنين لتوصل إلى الانتخابات نوابا محملين بوعود ورؤى وآمال ومطالب هذه المجتمعات حول التعليم والعدالة الضريبية في جبايتها وتوزيعها، ومكافحة الفساد وحماية الموارد العامة، والتنافس العادل على الأعمال والوظائف والفرص والموارد والامتيازات الوظيفية والطبقية والمكانية، والمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص بقدر مشاركته في السياسة وفي إدارة خدمات الدولة وبقدر ما يحقق من أرباح، وتمكين المجتمعات لتستطيع الأحياء والبلدات والمدن إدارة الاحتياجات الأساسية من التعليم والمياه والرعاية الصحية والاجتماعية، وزيادة مشاركة المرأة إلى القدر المساوي لدورها في العمل والحياة، وحضور عادل للفئات الاجتماعية والثقافية والمهنية والحرفية في البرلمان والمناصب والأعمال والوظائف يتفق مع حجمها ودورها وحقوقها أيضا، وتنظيم للعقود والعطاءات والوكالات التجارية والصناعية والتنافس عليها على النحو الذي يتيح حراكا حقيقيا وحرا للنخب الاقتصادية ولا يجعلها مغلقة متحكمة على نحو ظالم بموارد الناس وخدماتهم وحياتهم، ويراقب المعونات والمنح الخارجية ويلاحظ مساهمتها الفعلية والعادلة في التنمية على نحو عادل وشامل، ويعيد تشكيل النخب والقيادات السياسية والإدارية البيروقراطية والاجتماعية والاقتصادية على النحو الذي يعكس بالفعل وبعدالة نتائج الانتخابات النيابية.
ليس المطلوب مجانية التعليم الجامعي ولكن عدالة توزيع الموارد والضرائب ورفع مستوى التعليم وملاءمته للتطورات والتحديات العملية والمهنية، وتخصيص منح دراسية للمتفوقين، وعدالة الابتعاث، ومشاركة المجتمعات المحلية بالفعل في إدارة وتنظيم المدارس الأساسية على النحو الذي يقلل تدهور مستواها وابتعادها عن أهدافها الأساسية، وليس المطلوب الرعاية الصحة المجانية ولكن تنظيم وإدارة عمليات تأمين صحي شامل لجميع المواطنين على أسس عادلة ومناسبة للناس ولا ترهق الموارد العامة أيضا.
باختصار ووضوح فإن المطلوب مشاركة حقيقية وفاعلة للناس والمجتمعات في إدارة وتنظيم الموارد والخدمات العامة، وهذا ليس كثيرا ولا صعبا ولا خطيرا.
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo