صدر قبل دخول العالم إلى الألفية الثالثة كتاب لعدد من المؤلفين اليهود حول مستقبل إسرائيل عام 2020، وما مر حتى الآن على تلك النبوءات - وهو أكثر من خمسة عشر عاما- أثبت أن ما قالوه كان أقرب إلى الخيال السياسي على طريقة الخيال العلمي، وان التاريخ في مجراه لا يخضع للرغائب!
وحين أكتب الآن على بعد ستة أعوام فقط من عام 2020 عن العرب القادمين، فهذه ليست توقعات أو نبوءات أو قراءة للطوالع، ما دام علم المستقبليات قد حسم الأمر، فأصبح تعريف المستقبل هو أنه حاصل جمع ممكنات الراهن، وهذا ما كان يدركه أسلافنا من الفلاحين عندما يقرأون الموسم القادم من خلال البراعم التي تنعقد على أغصان الشجر، وكان لديهم أيضاً من الحصانة ما يدفعهم الى حسابات أخرى لمعرفتهم بدور عوامل الطبيعة، فقد يحدث ما يجهض تلك البراعم أو الممكنات قبل أن تتحقق.
الأعوام الستة المقبلة، ستكون خلاصة عقدين على الأقل، من ناحية لن تبقى الحراكات على هذه الوتيرة من العنف، خاصة بعد أن بدأ الكثير من العرب يشعرون بحنين جارف إلى الاستقرار، وبالفعل هناك ظواهر بدأت توضح هذا الحنين منها ما هو انتخابي، بحيث أصبح أوفر المرشحين حظاً هو الاستقرار حتى لو كان نسبياً!
ليس لأن التعب والأعياء بلغ بهم حدّ اليأس والتأقلم مع الأمر الواقع، بل لأن ما زرعوه لم يحصدوه ولأن تراكم المكبوتات من مختلف المرجعيات النفسية والاقتصادية والجسدية والاقتصادية انفجر بتزامن دراماتيكي، وأوشك أن يخلط حابل الحرية بنابل الفوضى، وهناك حالات تضاعفت فيها نسب البطالة والأمية، إضافة الى غياب الحد الأدنى من الأمن الذي لا يمكن للمجتمعات أن تمارس حياتها في غيابه.
وقد سبقنا من توقعوا لهذا العام بالتحديد وهو 2014 أن يكون المصفاة لثلاثة عشر عاماً سبقته، وثمة قرائن ما ترجح ذلك، لكن الأعوام الستة القادمة ستكون المجال الحيوي لفرز وتقطير هذه الكثافات التي أصبحت بحاجة الى من يفكون الاشتباك بين قمحها وزؤانها وبين حق يراد به باطل وباطل يرتدي قناع الحق!
فلم يحدث من قبل أن بلغ التخوين المتبادل بين الاطراف الى هذا الحدّ، ولم يحدث أيضاً مثل هذا الشطط في تصنيف العباد، وكان هناك زهايمر سياسي عصف بالذاكرة القومية!
الأعوام القليلة القادمة لن يكون ايقاعها بهذا التسارع المحموم، فاليوتوبيا التي وعدنا بها لن تتحقق وربما تحقق عكسها وهو «الديستوبيا»، ذلك ببساطة لأن الجحيم قد يكون الطريق اليه معبداً بالنوايا الطيبة وأضغاث الأحلام!
(الدستور)