في مدينة بنغازي، التي أنقذها التدخل الدولي من مذبحة رهيبة كانت تنتظرها على يد قوات العقيد معمر القذافي قبل ثلاث سنوات، اغتيل واحد من أشجع الأصوات الليبية، الصحافي مفتاح أبو زيد. واغتياله وسيلة لوقف التيار الشعبي المتنامي للتعبير ضد الجماعات المتطرفة، والميليشيات المسلحة التي تهيمن على مدن ليبيا، وتريد صوملة البلاد.
في الوقت نفسه، لم نسمع المجتمع الإعلامي، ولا الحقوقي الدولي، يشجب ممارسات الجماعات الإسلامية التي تحمل السلاح، وتستهدف الإعلاميين، في وقت أشغلتنا هذه المنظمات الدولية بالحديث عن بضعة صحافيين ينتمون لوسائل إعلام إخوانية بحجة المعاملة السيئة! جريمة منظمة أنصار الشريعة الليبية الإرهابية بقتل أبو زيد، وما ترتكبه مثيلاتها من التنظيمات المتطرفة التي تهدد علانية كل من يخالفها في ليبيا بالتصفية، تمتحن صدقية المنظمات الإعلامية والحقوقية الدولية التي أنحنت للدفاع فقط عن إعلاميي الإخوان والجماعات المتطرفة الأخرى.
كل ليبيا، لا بنغازي ودرنة فقط، تمر بحالة انتفاضة شعبية ضد عشرات الميليشيات والجماعات الإرهابية، تمثلت في تأييد للجيش الوطني الذي يواجهها ويدعو لتجريدها من السلاح. أصبحت ليبيا، وليست أفغانستان أو سوريا أو اليمن، أكبر تجمع للميليشيات، يقدر بأكثر من ثلاثمائة ألف ليبي مسلح! كثير منهم سجل اسمه فيما يسمى بقوائم الثوار، طمعا في المكافأة الشهرية! وهي حيلة، أدخلتها جماعات متطرفة من أجل تمويل رجالها وتنظيماتها، فأصبحت تحارب الدولة بأموال الدولة!
أبو زيد، صحافي من ساكني بنغازي التي تحتشد فيها الجماعات المتطرفة المسلحة، أصر على التعبير عن موقفه، رافضا التسليح والتشبيح والتطرف وتقسيم البلاد، فكان هدفا لجماعة أنصار الشريعة التي سبق أن هددته. بذلك ترسل رسالتها أن على الإعلاميين، وجميع المثقفين الليبيين، أن يصمتوا عن انتقادها، حتى لم تعد هناك سوى قلة قليلة من صحافيي ليبيا تتجرأ على الظهور والتعبير، باستثناء الصحافيين الذين يعيشون خارج البلاد، ويعرفون أن يد التطرف بعيدة عنهم. أي أننا نعود من جديد للوضع الذي كان عليه في زمن القذافي، الذي حاربه الشعب، وهو اليوم سيحارب للتخلص من هذه الجماعات أيضا.
(الشرق الأوسط)