معركة المطبوعات والنشر: مشكلة الإسلاميين مع الحداثة!
د. محمد أبو رمان
06-03-2007 02:00 AM
خسر "الإصلاحيون" معركة مهمة وخطرة بتصويت البرلمان على مشروع قانون رجعي ومتخلف وظيفته الرئيسة الأولى الحد من حرية التعبير ومن دور الصحافة والإعلام والمطبوعات في المضي قدماً بالمجتمع في حماية حرياته العامة وحقوقه السياسية والمدنية ومواجهة الفساد والقوى المستفيدة من غياب الإصلاح والديمقراطية.وتضاف معركة المطبوعات الخاسرة (إلاّ إذا أحدث مجلس الأعيان مفاجأة من العيار الثقيل جداً) إلى رصيد متراكم من التشريعات والسياسات والممارسات التي تقف سدّاً منيعاً في وجه الإصلاح وتطوره، سواء كان في قانون الاجتماعات العامة أو قانون الصوت الواحد أو قانون منع الإرهاب أو حتى غياب القوانين الصارمة في تجريم التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان، وغيرها من سياسات ترسم واقعاً لا شكّ أنه يسير في اتجاه معاكس لصيرورة الإصلاح والدمقرطة.
لا يمكن اختزال موضوع المطبوعات والنشر، وهو قضية أساسية في مسار الديمقراطية والحريات، في صراع بين الوسط الصحافي ومجلس النواب وفي باب تصفية الحسابات أو انتقام المجلس(الأغلبية على الأقل) من الصحافة التي قدّمت أداء المجلس السلبي والبائس على صورته الحقيقية أمام الرأي العام من دون تجميل ولا تغيير.
خطورة مشروع القانون لا تكمن فقط في مسألة حبس الصحافي على قضايا تتعلّق بحرية التعبير والرأي، ولا في الغرامة المبالغ فيها التي يدفعها الصحافي، لكنها تكمن في المواد والعبارات المطاطة والفضفاضة التي تقدّم مداخل كبيرة وواسعة تجعل من السهولة بمكان استغلالها في جرجرة الصحافيين ومعاقبتهم وابتزازهم، وهو ما يشكل حدّاً حقيقيا وعائقاً كبيراً في وجه الحرية الصحافية وفي دور الإعلام المطلوب.
إقرار مشروع القانون يعكس الحالة الحقيقية لمجلس النواب المنتخب(!) من المواطنين ليصون حريتهم ويحمي حقوقهم ويكون عنواناً لطموح الشعب في الإصلاح والديمقراطية، وإذا به - على النقيض من ذلك تماماً- مؤسسة عرفية، يتحسس من الحريات والنقد، ويقدم أداء رديئاً وسلبياً يمثل بحد ذاته الإدانة الأهم والأكبر لقانون الصوت الواحد ومخرجاته الخطرة المشهودة.
أسوأ ما في مشهد إقرار مشروع قانون المطبوعات هو موقف نواب الحركة الإسلامية – الذين يفترض أنهم يمثلون المعارضة الرئيسة في البلاد-، وعلى الرغم من علامات التراجع غير الناجح التي بدت في جلسة يوم الأحد (بعد تأييدهم حبس الصحافيين على خلفية المواد المرتبطة بالدين وارباب الشرائع) إلاّ أنّ العبرة الأهم تكمن في أدائهم البائس والمعبّر عن ضحالة سياسية وعن فقدان البوصلة تماماً وارتباك في بناء الموقف، ناهيك عن مداخلاتهم التي تضع علامة استفهام كبرى حول مدى أهلية أغلبهم لمقعد النيابة!
ما يدفع إلى القلق، بحق، ليس موقف القوى المحافظة في المجلس من قانون المطبوعات لكنه موقف المعارضة الإسلامية التي تحالفت مباشرة مع القوى المحافظة على خلفية المادة التي تتعلّق بالأديان وأرباب الشرائع، وكأنّ الأخوان قد حققوا مكسباً كبيراً في هذه القضية ضد "العلمانيين"، على الرغم أن حماية الأديان والعقائد يمكن تحقيقها بوسائل متعددة وبواسطة ميكانزمات عديدة، لكن دون خلق مبررات وأسباب واسعة للحد من حرية الإعلام والنشر.
مشكلة الإسلاميين تكمن في المقارنة - التي عبّر عنها الصديق والكاتب اللبناني توفيق شومان- بين أربكان وأردوغان؛ فالأول قد وضع الإسلام أمامه فكان يتعرقل به دوما، والثاني وضع الإسلام في قلبه وسار سريعاً، فالإسلاميون يتعرقلون بالإسلام ويتمسكون بمكتسبات صغيرة وصورية، دون أن يعلموا أنّ المشكلة الأولى والأهم والمنجز الحقيقي هي العملية الديمقراطية التي تحقق لهم وللمجتمع حياة كريمة وصحية، وتدفع بالجميع إلى الأمام.
كيف يمكن أن نقنع الإسلاميين أنه لا خوف على الإسلام في النظام الديمقراطي، لكن الخوف كل الخوف عليه في ظل قوانين القمع والمنع ومصادرة الحقوق والحريات!
ثمة تناقض واضح في مواقف الإسلاميين من الديمقراطية والحداثة والتطور؛ ففي حين يعلنون أنهم باتوا يؤمنون بالديمقراطية والتعددية والحريات العامة وحقوق الإنسان..الخ، تجد مواقف لهم في قضايا حساسة ومحورية يتحالفون فيها مع القوى المحافظة والتقليدية، كما حصل في السعودية في معركة قيادة المرأة للسيارات، وخرجت تبريرات وتفسيرات دينية لمواقفهم تعبر عن قراءة فجة للنصوص الدينية، وكذلك الحال في الكويت عندما وقف الإسلاميون ضد حق المرأة في الترشيح، وفي الأردن في موقفهم من قانون المطبوعات والنشر، وقبل ذلك من المادة المتعلقة بالعقوبات المخففة لجرائم الشرف وغيرها من القضايا. فهذه القضايا لو وضعت في ميزان الفكر الإسلامي المستنير لكان موقف الإسلاميين مختلفاً ومعكوساً تماماً!
كان يؤمل كثير من الباحثين والمراقبين على مؤشرات عديدة تنبئ بقفزة في مسار الحركات الإسلامية وتطور في مواقفها من الحداثة والحريات، وكانت الدلالة الأبرز على ذلك تقديم د. أحمد كمال أبو المجد(المفكر الإسلامي المعروف) لطبعة جديدة من رواية الأديب الراحل نجيب محفوظ "أولاد حارتنا"، وقد كانت ممنوعة من النشر في مصر لسنوات عديدة لأسباب دينية.
عندما ترفع الحركات الإسلامية شعار الإسلام هو الحل؛ فإن المعيار الرئيس في تقييم ذلك هو أي فهم للإسلام يتحدّث عنه الإسلاميون؛ هل هو الإسلام المستنير الذي يوظف في سياق التقدم والتنمية والحرية والعدالة والارتقاء بالناس أم الإسلام الذي يقف معيقاً للتطور والتقدم ويستثمر ضد قوى الإصلاح والحداثة وفي اتجاه معاكس للحريات العامة ولحقوق الإنسان.
لا بد من الإشارة إلى موقف أمين عام جبهة العمل الإسلامي، زكي بني ارشيد، وهو موقف متميز ومعتبر - أخبرني به الزميل جهاد المنسي- إذ قال بني ارشيد أنه طالب نواب جبهة العمل بالوقوف ضد عقوبة حبس الصحافيين، حتى وإن ارتبط الأمر بالقضايا الدينية الواردة في مشروع القانون، كي لا يساهم الحزب في الحد من حرية الصحافة والتعبير والنشر، وهو موقف يحسب له ويعبر عن إدراك سياسي متميز، وإن كان المطلوب من نواب الجبهة أن يكونوا أكثر وضوحاً وتقديراً لأهمية معركة المطبوعات والنشر وأن يعدوا لها جيداً، لا أن يقعوا ضحية تحالف القوى المناهضة للإصلاح!
m.aburumman@alghad.jo