ذبح غزة وهزالة الموقف العربي
د. محمد أبو رمان
29-02-2008 02:00 AM
بينما يمارس الاحتلال الإسرائيلي جرائمه ضد أهل غزة وسكانها الأبرياء والعزل، وحتى ضد المقاومين الذين يدافعون عن أرضهم ووطنهم، فإنّ الموقف الرسمي العربي، يكتفي إمّا بالصمت والسكوت أو بالإدانة "الخجولة"، أو التأييد المبطّن للعدوان! من خلال بعض التصريحات السيئة في دلالتها أو توقيتها.لا أفهم في أيِّ سياقٍ يمكن أن يُقرأ تصريح الرئيس عباس بأنّ "القاعدة موجودة في غزة وأنّ ذلك يتم يتسهيل من حماس"؟! إلاّ في سياق خدمة الدعاية الإسرائيلية ومنح شرعية إعلامية ودولية للعدوان؟! فهل تريد إسرائيل، أمام المجتمع الدولي، أكثر من إقرار فلسطيني بوجود تنظيم متطرف متشدد في غزة بحماية حركة حماس كي تمارس إسرائيل عدوانها، وفي يدها تصريح الرئيس الفلسطيني؟! ألم تجعل الصحف الإسرائيلية من هذا التصريح عنواناً بارزاً في اليوم التالي؟!.
الموقف العربي لا يختلف عن موقف الرئيس عباس، وحتى بعض الإعلاميين العرب. فمن يتطوّع في وقت العدوان للحديث عن صواريخ القسّام وآثارها السلبية وعن "انقلاب حماس على الشرعية الفلسطينية" والعلاقة بين حماس والمحور الإيراني..الخ، إنّما يمنح الجرائم الإسرائيلية سياقاً إعلامياً وسياسياً مبرراً، ويؤدي خدمة جليلة للاحتلال ولسفكه دماء الفلسطينيين وحصاره لمليون ونصف المليون نسمة ولممارسته أبشع الوسائل الهمجية في القتل والاستهداف.
ثمة فارق كبير وواضح بين مطالبة حركة حماس بقراءة دقيقة للواقع وبناء خيارات استراتيجية سليمة (تجنب الفلسطينيين مغامرات غير محسوبة وطرق مغلقة وتجعلهم رهائن لمصالح إقليمية) وبين اتخاذ المواقف المطلوبة في دعم ومساندة غزة ضد العدوان وفي نزع أي غطاء من المشروعية يمكن أن يوظفه الاحتلال للقيام بعدوانه وإجرامه وإرهابه بحق الفلسطينيين.
مهما كان الاختلاف مع حماس ومع الجهاد أو أية حركة فلسطينية ترفض الإقرار بمعاهدات السلام، فإنّ هذا الاختلاف لا يلغي ولا يتجاوز حقيقة أنّ هذه الحركات هي أولاً وأخيراً حركات مقاومة مشروعة تدافع عن وطنها وعن حقوقها وأنّ ابناء هذه المنظمات الذين تغتالهم إسرائيل يومياً بالجملة هم رجال شرفاء نذروا أنفسهم في خدمة وطنهم وقضيتهم، وأنّ اغتيالهم جريمة كبيرة تقوم بها إسرائيل والسكوت عليها جريمة أكبر.
بالأمس أضاف الاحتلال الإسرائيلي رضيعاً جديداً إلى قائمة مئات الشهداء من مقاومين ومدنيين سقطوا خلال الشهور القليلة الماضية. دون أن يهتز الإعلام العالمي أو يرف جفن لقادة إسرائيل وهم يصدرون قراراتهم بارتكاب هذه الجرائم. ولو أنّ هذا الطفل الرضيع (وقبله أطفال آخرون قُتلوا بوحشية الاحتلال، أو يُتِّموا وفقدوا آباءهم) هو من إحدى الدول الغربية أو طفل إسرائيلي لبادر المسؤولون العرب والإعلام العربي بإدانة هذه الجريمة الشنيعة، أمّا اطفال فلسطين فلا أب لهم!.
عندما حاول بعض الأشخاص المسلمين في الدنمارك قتل الرسام الذي أساء إلى الرسول الكريم، قامت عشرات الصحف الدنماركية والأوروبية بإعادة نشر الرسوم، وتتصاعد حملة الآن ضد المسلمين في أوروبا يقودها اليمين المتطرف. أمّا مئات القتلى في غزة خلال شهور قليلة ومئات الآلاف من العراقيين قتلوا بسبب الاحتلال، وملايين شردوا، فيبدو أنّ هؤلاء لا يعدّون بشراً في قاموس العالم اليوم، لا لشيء إلا لأنّ قيمة الإنسان العربي هانت على حكوماته التي تعامله دون مرتبة الإنسان فهان على الجميع.
في وقت العدوان، المسؤولية الوطنية والأخلاقية تقتضي أن تُلقى جميع الخلافات مع حركة حماس خلف الظهور، ويتم التركيز على قضية واحدة وواضحة هي مواجهة الاحتلال والجريمة وكشفها وفضحها. أمّا أن يتعامل البعض مع ما يجري في غزة باعتباره جزءاً من حالة الاستقطاب الإقليمي بين المحور الإيراني والسوري من جهة ومحور "الاعتدال العربي" من جهة أخرى، فإنّ ذلك بمثابة كارثة استراتيجية حقيقية. فبينما تمضي إسرائيل في سياساتها التوسعية ببناء المستوطنات في الضفة وعدوانها على غزة، وعدم التزامها بأية ضمانات أو شروط مع الطرف العربي يصر الطرف العربي على تجاهل (ذلك) الواقع كله والارتهان إلى معادلة أنابوليس ودفع ضريبتها دون أن تدفع إسرائيل أي ثمن!.