تظهر في كل فترة سياسية مصطلحات جديدة، يفرزها المناخ السائد، منها ما هو شعبي ومتداول على نطاق واسع مقابل مصطلحات أخرى تبقى حكراً على النخب، فبعد ثورة يوليو 1952 في مصر ظهرت مفردات لأول مرة كالجماهير والعدل الاجتماعي وتحالف القوى العاملة إضافة إلى مصطلحات سياسية أخرى كعدم الانحياز وحركات التحرر.
وفي مصر خلال السنوات الثلاث الماضية ظهرت مفردات جديدة منها «الفلول» تعبيرا عن بقايا النظام السابق و رواسبه ومنها «الأخونة» وأخيرا «عصير الليمون» ، والليمون المصري له حكاية طويلة، فهو بحجمه الصغير ورائحته النفَّاذة، واسمه الغريب وهو بنزهير علاج يشفي ومعقم ومقاوم للسموم، وربما كان هذا مصدر استخدامه سياسياً، والمقصود به أن هناك أطعمة لا يمكن ابتلاعها واحتمالها إلا إذا عُصِر عليها الليمون، وحين يُضطر شخص ما إلى انتخاب مرشح معيَّن غير مقتنع به وانما ينتخبه عن طريق النكاية بخصمه فهو يعصر الليمون، وحين يكون الفرد مخيراً بين أمرين كلاهما مر يعصر الليمون.. وكأن الليمون هو السحر الذي يستعان به إذا فرض على شخص ما أن يتجرَّع ما لا يشتهي، أو إذا كان في موقف كالذي عبَّر عنه المتنبي الذي عاش زمناً في مصر وهو: «من نكد الدنيا على الحرِّ أن يرى عدواً له ما من صداقته بد»، في زمن أحمد عرابي لم تكن كلمة الثورة متداولة، لهذا استخدمت كلمة «الهوجة» وفي عصور اسلامية مختلفة كانت كلمة الفتنة هي التعبير عن الاحتدامات الايديولوجية والحروب الأهلية.
ولو صح أن عصير الليمون ينقذ الإنسان من ورطة ما، فإن كل ما على شاطئ البحر المتوسط الشرقي لا يكفينا، لأننا كعرب غالباً ما نختار بين المرِّ والأمرِّ منه وبين السيء والأسوأ منه؛ لأننا لا نملك ما هو أبعد من أضعف الايمان والحد الادنى وما يقابل عصير الليمون في مصر، ما نقوله أحياناً في بلادنا وهو ان نرش السكر على العلقم، وهو ذروة المرارة.
وسواء استعنا بعصير الليمون أو السكر، فإن الواقع بلغ حداً من المرارة لا ينفع معه شيء وفلسفة تعطير الجثث انتهت دائماً الى بؤس يتعذر الخروج منه؛ لأن المسألة ليست في المفاضلة بين المرِّ والأمرِّ وبين الموت جوعاً والموت غرقاً أو كمداً، لكن قبح الواقع احيانا يدفعنا الى قبول السخونة والحمى التي تلهب السحايا اذا كانت البديل الوحيد للموت.. لهذا على العرب أن يُضاعفوا من زراعة الليمون، كي يعصروه على المرارات التي يبدو العلقم عذباً إذا قيس بها!!
(الدستور)