الرئيس بوتين زار الصين. ما هي المعاني؟
د.حسام العتوم
26-05-2014 04:50 PM
- من وسط الأزمة الأوكرانية المتصاعدة والتي لا تعتبرها موسكو أزمة معها وإنما أوكرانية داخلية هبط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارة دولة لشنغهاي الثلاثاء/ 21- أيار الجاري 2014، وهي أول زيارة يقوم بها للصين منذ تسلم شي جينيبنغ للسلطة 2012/ 2013 كرئيس دولة ورئيسا للحزب الشيوعي الصيني، وكان الرئيس شي قام بزيارة لمدينة سوتشي لحضور افتتاح الألعاب الاولمبية الشتوية التي عقدت هناك هذا العام 2014، و للصين مواقف مساندة سياسية لروسيا نلاحظها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي 1992 عملت على تطورها لاحقاً إلى اقتصادية، ففي الوقت الذي تعتقد فيه روسيا بأن الحرب الباردة بين الغرب الأمريكي والشرق السوفيتي انتهت مع انهيار البناء السوفيتي، وبأن عالم الأقطاب السياسية والاقتصادية هو الذي بدأ يسود لا زالت أمريكا تواصل احتضان الغرب لمنع انتشار القطبية إن صح التعبير ولضمان استمرار الحرب الباردة المفيدة لها اقتصادياً وخاصة عسكريا على مستوى تحويل مناطق عديدة علًى خارطة العالم سوقاً لسلاحها وحرصها بنفس الوقت على الاستمرار في تبوء المركز الأول عالمياً في تجارة الأسلحة والإبقاء على المركز الثاني لروسيا، وللإبقاء أمريكيا على الصراع السياسي الإسرائيلي الفلسطيني والعربي بيدها ومن دون حلول جذرية ناجعة مثل بناء الدولة الفلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية مع ضمان حق العودة والتعويض وإخلاء المستوطنات من ساكنيها اليهود والابتعاد والعزوف عن تهويد فلسطين التاريخية وإخلاء الأراضي العربية المحتلة اسرائلياً مثل الجولان السورية ومزارع وتلال شبعا اللبنانية.
زيارة الفدرالية الروسية في عهد بوتين الرئاسي الثالث للصين حملت جملة من المعاني السياسية ذات العمق الاقتصادي الكبير، فالتماس الروسي السياسي مع الأزمة الأوكرانية بحكم الحدود الجغرافية والبعد التاريخي السوفيتي المشترك والمد الديمغرافي واللغوي والحاجة الأوكرانية الدائمة للغاز الروسي وتراكم الديون الأوكرانية لروسيا في هذا المجال والبالغة 3 مليارات دولار، وتصاعد لهجة العقوبات الاقتصادية الأمريكية الغربية المشتركة ضد روسيا بسبب اتهام روسيا بالضلوع في الأزمة الأوكرانية المتشابكة مباشرة، والموقف الصيني الرسمي المعارض لهذه العقوبات، وموقف الصين الداعم للموقف الروسي في مجلس الأمن من الأزمة السورية الدموية المشارفة على السيطرة بنسبة كبيرة لصالح نظام دمشق والجهات الداعمة له محلياً مثل حزب الله ودولياً مثل روسيا والصين وإيران، وإصدار أكثر من فيتو مشترك لمنع حلف الناتو من اجتياح دمشق من الخارج وإسقاط نظام الأسد البعثي بقوة السلاح، والدعوة المشتركة الروسية الصينية لإظهار خيار الشعب العربي السوري في اختيار مستقبله بنفسه عبر صناديق الاقتراع الرئاسية ثم البرلمانية القادمة بداية شهر حزيران المقبل، ومن اجل إن تستمر روسيا بوتين في الصعود ومواجهة التحديات ومن أجل إثبات حقها كقطب سياسي واقتصادي عملاق وحق جارتها الصين كذلك كقطب مماثل حر في حركته وحراكه السياسي والاقتصادي والعسكري ألتحالفي، تأتي زيارة الرئيس بوتين هذه حاملة نتائج كبيره سوف تتطور في عمق الزمن القادم دون الالتفات لمماحكات القطب الأمريكي الغربي المشترك الذي يواصل التجديف باتجاه السيطرة على اقتصاد العالم بواسطة اليورو والدولار وسياساته المختلفة، ومع هذا وذاك روسيا ترفض تقسيم العالم إلى غرب وشرق.
لقد حقق الرئيس الروسي بوتين لبلادة روسيا صفقة العصر بموجب اتفاقية توريد الغاز من سيبيريا إلى شمال الصين بقيمة 400 مليار دولار تحصل من خلالها الصين على 38 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الروسي السنوي لفترة 30 عاماً قادمة ومد خطوط أنابيب الغاز بطول 2500 كليو متر لتغذية البنية التحتية في الصين، وحسب رئيس مجلس إدارة شركة غاز بروم الكسي ميلر ستنفق الصين 50 مليار دولار على البنية التحتية النفطية للصفقة، وتقديم 25 مليار دولار لتطوير شبكة الأنابيب الواقعة على المنطقة الحدودية بين الدولتين الجارتين، وفي الوقت الذي تحرص فيه روسيا على بيع غازها للصين بالسعر الأوروبي 350 دولار لكل إلف متر مكعب، فأن الصين طامعة في الحصول على سعر منافس ويساوي ما هو موجود في أسيا الوسطى.
يأتي هذا النجاح الروسي الصيني المشترك بعد مرور 25 عاماً على الزيارة التي قام بها ميخائيل غورباتشوف لبكين عام 1989 لتطبيع العلاقات بين الاتحاد السوفيتي قبل انهياره وبين الصين بعد عقود من الصراع السياسي والاقتصادي والايدولوجي، وتطوره بعدها العلاقات بين روسيا والصين تحديداً وتم إيجاد وجهات نظر متطابقة حول العراق وكوسوفو وسوريا، وشكلا تجمعين هامين في منظومة دول البريكس الذي يضم الدول الأسرع نمواً اقتصادياً في العالم إلى جانب البرازيل والهند وجنوب إفريقيا.
لم يعد التاريخ المعاصر يحدق في الصراع الايدولوجيا بين كل ما هو سوفيتي وصيني عام 1960 مثلاً عندما أعلن الحزب الشيوعي في موسكو إدانة عبادة شخصية المارشال جوزيف ستالين وهو الذي فهمته الصين وقتها بأنه تطاول على عبوديتهم لشخص ماو تسي تونغ وتسبب في طرد الخبراء السوفييت وإحداث انشقاق داخل المعسكر الشيوعي، وفي عام 1969 كادت أن تنشب حرباً نووية بين الاتحاد السوفييتي والصين لولا تدارك مخاطر الحرب في اللحظات الأخيرة ودخول الولايات المتحدة الأمريكية على خط الصراع إلى جانب الصين.
ألان أصبحت أقطاب العالم الكبيرة تعي أن التعاون أفضل بكثير من أي صراع، وبأن الحروب نتائجها كراثية على البشرية جمعاء وعلى البنية التحتية للعالم، والأمثلة على خارطة العالم كثيرة في العراق وسوريا وليبيا وفلسطين واليمن وأفغانستان وفي غير مكان، وبأن محاصرة الارهاب واجتثائة من جذوره أفضل من دعمه وتشجيعه على استلام السلطة هنا وهناك والذي هو أمر كإرثي بطبيعة الحال، وبأن الإرهاب لا هوية له ولا وطن وهو انقلابي ومدمر ومثلنا هنا في حراك تنظيم القاعدة الإرهابي بامتياز والباحث عن السلطة والمال عبر ممارسة القتل والتشريد والاغتصاب ونكاح الجهاد والسبايا.
الانجاز الروسي الصيني الأخير في مجال التعاون الغازي له دلالات طردية أملاً أن ينعكس إيجاباً على تطوير البنية التحتية للمدن الروسية خارج العاصمة موسكو ومدينتي سانت بطرس بيرغ وسوشي ليشمل مدناً من الدرجة الثالثة المنطقية مثل روسوش واستراقورس وتفير وغيرهم، وعلى رواتب الموظفين والمتقاعدين في ظل ارتفاع الأسعار على المواد التموينية وعلى أجور المواصلات مثل القطارات والطائرات الداخلية والخارجية والمترو تحت الأرض وأسعار الملابس خاصة وعائدات روسيا القادمة من التجارة مع الخارج أصبحت عملاقة قادرة على فعل الكثير وبالاتجاه الايجابي ولما فيه كل الخير للجميع في البلاد الروسية ذات المساحة الواسعة وعدد السكان القليل.