ليست المشكلة الحقيقية في أن مجلس النواب أقر مشروع قانون المطبوعات مع إبقاء عقوبة الحبس، بل في ان جزءا من هذا المجلس اتخذ قراره بناء على الرغبة في المناكفة وممارسة الثأر من الصحافيين، وهذا ما تحدث به النائب محمد ابو هديب على شاشة التلفزيون الاردني عندما اشار الى ان جزءا من المجلس يخضع مواقف من التشريعات ومنها قانون المطبوعات لحسابات شخصية او ذات حجم غير كبير، وهذا ما تأكد عندما عبر بعض النواب عبر تعليقات غير مقبولة بعد اقرار القانون مساء الاحد.ولعل من محاسن الاقدار ان يسجل في تاريخ هذا المجلس انه وقف بمعظم اشخاصه ضد الحريات العامة، والحمد لله انها الايام الاخيرة من عمر هذا المجلس بعدما فشلت محاولات البعض ترويجَ فكرة التمديد، ليكون ختام المجلس حبسا للصحافيين.
لعل جزءا من فرح الاردنيين بالقرار الملكي في اجراء الانتخابات هو سخطهم ونقدهم لأداء هذا المجلس، الذي رفضه الاردنيون وانتقده الملك علنا، وحظي بنقد الصحافة بشكل موضوعي، هذا المجلس الذي كان كريما مع الحكومات فشتمها في الخطابات ومنحها ارقاما قياسية في جلسات الثقة، فكان نموذجا لحالة التناقض بين المواقف والخطابات، وحتى بالنسبة لحكومة د. عدنان بدران فالأمر كان غضبا ثم تحول الى عملية سياسية حدودها الحقيقية خارج المجلس!
هذا المجلس صاحب حكاية السيارات التي سعى الى الحصول عليها من المال العام، ونتيجة الضغط والنقد تحولت الى شراء، وهم اصحاب الارقام الكبيرة في الوفود المسافرة فكلهم وزراء خارجية، وموازنات السفر والمياومات كانت تعاني من عجز، وهو المجلس الذي اشتركت معه حكومة سابقة في توزيع الملايين من الدنانير عبر مغلفات الفقراء، ولحق بها النقد من الناس لأن جزءا كبيرا منها كان لناخبي النائب وليست لعامة الناس.
سجل طويل لا يبدأ ولا ينتهي بحكاية الحج قبل سنوات على حساب مال المجلس، ثم انتهى الامر بوصول دعوة من الاشقاء، وهم الذين حصلوا هذا الموسم على فيزا لهم ولزوجاتهم والمحسوبين عليهم على حساب حق عامة الناس في اداء الفريضة. إنه سجل طويل لا يغيب عنه ضرب الصحافيين، ولا تراجعهم غير المبرر عن مواقف تشريعية آخرها عندما اصروا على الجمع بأنانية بين عضوية مجلس النواب وعضوية المجلس البلدي، ثم عادوا للتراجع بسرعة دون نقاش بعد رفض الاعيان، ما يؤكد غياب المنهجية في اتخاذ المواقف من التشريعات، تماما مثلما تراجعوا عن تشريعات سابقة خلال الدورات السابقة.
كانوا اصحاب السبق في الغياب عن جلسات المجلس دون اعذار للانشغال بأمور خاصة.
لا نقيّم اداء المجلس فتلك حكاية طويلة، لكن هذا المجلس استطاع باقتدار ان يكسب نقد الناس وغضبهم، لكن نسبة كبيرة منه كانت ذات حضور يتراوح بين الضعيف والعادي، بعضهم انشغل بتحقيق قضاياه الخاصة، والبعض لم نسمع صوته، وبعض النواب مصنف بأنه جزء من حالة سياسية، لكنه كان شبه غائب، اما رئاسة المجلس فكانت انتخاباتها تعبيرا عن حالة التشتت في مسار المجلس، فكتل قفزت من مرشح لآخر؛ وقفت مرة مع شخص ثم تحولت الى خصم له، مع انه ذات الشخص وذات المواقف، وأفراد صوتوا غير ما التزموا، انها حكاية اكتملت بالأداء المتواضع.
الامر ليس اعلان اكتمال النصاب وبدء الجلسة ثم رفعها, هذا عندما يبقى للجلسة نصاب وليس على منهجية بعض النواب والكتل في اقرار التشريعات، بل من خلال قراءة مواقف الناس والإعلام وحتى الملك. فهذا المجلس وهو يرحل لا يجد من يأسف على رحيله، وقد اختار لنفسه ان ينهي حياته بضرب الصحافيين ثم اقرار حبسهم، مجلس كريم في نقد الحكومات، وكرمه اكبر في منح الثقة، حتى اصبحت الحكومات تتسابق في الحصول على الرقم الاكبر من ثقة النواب.
قانون المطبوعات لن يغير تاريخ الحريات في الاردن، وقد لا يحصل النواب على الكثير من المشاعر الايجابية اذا ما قرر الاعيان رد القانون، او دخل الادراج، لكن العبرة في اداء غير مبرر. فالصحافيون قادرون على الدفاع عن انفسهم، لكن المشكلة في القضايا الأخرى التي تمس حياة الناس ومصالحهم.
عشرون يوما ستنقضي وينتهي معها عمر المجلس. وسيعود الطامحون منهم الى السعي لرضا الناس بين الافراح وبيوت العزاء وحفلات النجاح في التوجيهي والجامعات أو التهنئة بفحص السواقة وفحص الدم! لكن التاريخ سيسجل لهذا المجلس محطات لا يمكن الدفاع عنها.
sameeh.almaitah@alghad.jo