التنمية السياسية و إشكالية البيضة والدجاجة
فايز الفايز
28-02-2008 02:00 AM
لا يزال المتفلسفون يتندرون بأحجية من جاء أولا ، البيضة أم الدجاجة ، ولأننا نعرف أن الدجاجة لا تبيض إن لم يكن هناك ديك " فحل " فلنا أن نسأل كم دجاجة يجب ان تكون ضمن شلة الديك الواحد حتى يتم إغراق السوق بمادة البيض ، ولأن البيض أنواع فيجب ان نفرق بين البيض المخصص للأكل والبيض الخاص بالتفريخ ، أضف إليه بيض دجاج الأمهات المختلف عن الدجاج اللاحم ، وبعيدا عن هذه الجزئية الزراعية الملحمية المعقدة شيئا ما ، فهلا قفزنا فورا الى الصالون السياسي ، لنتحدث برائحة العطر التنظيمي ، بعيدا عن " زنخ البيض "..
إن الحديث عن التنمية السياسية في الأردن أشبه ما يكون بحديث البيضة والدجاجة ، فسواد الشعب الأردني من مختلف مشاربه وأهواءه وطبقاته ومساقط رؤوس أهله هو أقرب الى العضلة السياسية منه الى العقل السياسي ، وأنا واحد منهم ، ممن يسبحون في حوض الاستحمام ليلا ، ليطالبوا بعضوية بطولة البحر الأبيض المتوسط للرياضات المائية .
فمنا لا يعرف إطلاقا ثم يطالب فجأة بكامل المعرفة ، ومنا من يعرف تماما ثم يستغبي ، لنعود الى جدلية من يحقق التنمية السياسية المواطن أم الحكومة .
وهنا لا تستغرب أن رمت بك الطريق قرب راعي أغنام ليشكو لك صعوبة الحياة وعدم توفر أعلاف ، فهو سينتهي الى ان سياسة الحكومة وعدم وجود مجلس نواب قوي ، وغياب تمثيل عن القطاعات المدنية هو من أهم الأسباب في تردي الحالة الاقتصادية عند المزارع أو راعي الأغنام ، وكذلك الأمر وهو الأوضح حينما تصعد الى سيارة "تكسي الأجرة " ليقلق السائق فكرك ، ويجرك الى حالة من الكآبة نتيجة استنتاجاته بخطورة ان تكون إنسانا بلا مظلة حماية صحية او ضمانات تقاعدية ، أو التزامات حكومية دراسية لأبنائك ، وعند كل نقطة توقف ، يفتح لك ملفا ساخنا من آهات الشعب ، لينتهي ان الحكومة والوزراء والنواب وكبار المسؤولين ليس لهم هم سوى الاجتهاد في بناء قواعد وضمانات لما تبقى لهم من عمر ، ولا تتفاجأ إذا ما قال لك ، خذني مثلا فأنا كيت وكيت .. لتكتشف في النهاية انه يحمل شهادة جامعية أو موظف متقاعد ، أو لديه توجهات سياسية عميقة .
إذا نحن نعيش تحت شمس سياسية في كل جزئية من تفاصيل حياتنا ، وهذه الشمس يصل نورها الى كل مكان ، ولكن الفرق ، ان هناك أناس فتحت نوافذها ليدخل ضياء السياسة لها ، وأناس تُفتح لهم تلك النوافذ ، وأناس لا يوجد في بيوتهم نوافذ أصلا ليدخلها أي ضياء ، ولا نسمة هواء .
وهنا اعتقد ، وليس كل ما اعتقده يوجب الثقة به ، ان الشعب الأردني بحاجة الى صقل إرادته السياسية ، والتمكن من قواعد اللعبة جيدا ، وان تكون هناك ثقافة سياسية على الأقل بناء على تعريف الثقافة وهي معرفة شيء عن كل شيء ، وهذا الواجب لا تختص به الحكومة بالضرورة ، وليست من مهماتها أصلا ، وحتى لا نحمل الحكومة أحمالا فوق أحمالها التي ناءت عن حملها ، ولعل أبسطها تنظيم عملية السير في الشوارع ، والحد من سطوة وحوش المخدرات .
لذا يجب ان تكون هناك مشاركة حقيقية وفاعلة في عملية التنمية السياسية تشترك بها جميع قطاعات الوطن أسرّ ، عشائر ، نوادي ثقافية وأدبية ، مدارس ، جامعات ، جمعيات خيرية ، دواوين عائلية ، نقابات ، حلقات مسجدية ، أما الأحزاب فتلك حكاية أخرى لأننا نعلم إن الغالبية العظمى ، بل الكلية من الأحزاب لا تقوى على تبني موقف أو وجهة نظر سياسية ، ليس استخفافا بها وبقدراتها ، ولكن لقلة منتسبيها ولعدم ثقة المواطنين بالأحزاب لأسبابهم الخاصة ، باستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي المسيطر على الساحة .
فالحمل الملقى على كاهل وزارة التنمية السياسية حمل ثقيل جدا وبكل صراحة نقول ان الوزارة وحدها لا تستطيع ان تزرع شجرة سياسية في حديقة كل منزل ولا مصباح سياسي في كل مكتب ، وأزعم ان الأرضية السياسية موجودة عند كل مواطن أو عند أغلبهم ، فقط فلينظفوا ما عليها من أتربة وغبار وملصقات لشعارات لا تؤدي الى نتيجة أو فهم أو مصلحة وطنية .
والحكومة عندما تتحدث عن التنمية السياسية تنسى أو تتناسى تنميتها السياسية الداخلية ، ومن أهمها حلحلة الصدأ الذي يغطي عدد من القوانين المانعة ، فلماذا لا يتم تحرير قطاع الحريات والصحافة والرقابة ، ولماذا لا تتخلى الحكومة عن " صبيانها " الذين تتبناهم في العديد من المؤسسات وخاصة المؤسسة الكلامية ، فهم كورق الشوكولاته المزركش مهما كان دورهم في الترويج لها ، لا يزيدون في جودتها ولا نكهتها شيء .
وهنا يجب ان تعلم الحكومات المتعاقبة إن الآلة الإعلامية المنفتحة لها دور كبير في تأسيس أو الحفاظ على أفكار وسياسات الدولة بل وتحقق لها مكتسبات لا تستطيع هي ان تحققها بعصيها الساحرة ، ولو أخذنا مثلا " قناة الجزيرة الفضائية " سنعلم مدى الانقلاب الذي حدث لدولة قطر ، فهي أصبحت رقما صعبا في عدد من المعادلات السياسية والفكرية ، ليس على مستوى العالم العربي ، بل وعلى الصعيد العالمي أيضا ، وليست قطر قبل الجزيرة ، كقطر بعد شوط الجزيرة الطويل ، على الرغم من إن "الجزيرة القناة " لا تعبر نصا ولا حرفيا عن سياسة قطر الدولة ، بل ان مجرد تبني تلك القناة من أحد شخصياتها ، أحدثت الآلة الإعلامية المتحررة تلك " تسونامي " في شتى مناحي الحياة العربية والعالمية .
نتمنى أخيرا على الجميع السعي نحو تنميتهم السياسية من دافع شعورهم بالمسؤولية المعرفية والوطنية ، ومعرفة الضار والنافع في هذا الخليط غير المتجانس من الآراء والأهواء والأفكار التي خطفت أو قد تختطف المواقف السياسية والمدارس السياسية في الأردن .
Royal430@hotmail.com