بين عباس وحماس ضاع الفلسطينيون
اسامة الرنتيسي
28-02-2008 02:00 AM
حماس تقول كفى عبثا فالمفاوضات لم تقدم شيئا للشعب الفلسطيني طيلة 15 عاما، وهي مصرّة على إطلاق الصواريخ لتحقيق استراتيجية الرعب لسكان سيدروت، محمود عباس مصرّ أيضاً على أن يردد ما تقوله إسرائيل في أن عناصر من القاعدة تسللت الى غزة بمساعدة حماس في فترة هدم معبر رفح. الفلسطينيون بدمهم يردّون على هذين الخطابين الساذجين، 18 شهيداً في غزة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية والحبل على الجرّار. والقطاع ينتظر اجتياحا جديداً أكثر قساوة ودموية من الأيام السابقة.
إذن، ماذا بإمكان الرئيس الفلسطيني أن يفعل في وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت خلال المفاوضات المتعددة التي يعقدها في القدس المحتلة إن هو شاء أن يفعل شيئاً وامتلك الإرادة لكي يفعل؟
القضية التفاوضية باتت أشبه بقضية عض أصابع. قوى فلسطينية تدعو لوقف المفاوضات إلى أن يتوقف الاستيطان والعدوان. رد عباس وفريق عمله: إن وقف المفاوضات سيشكل ذريعة لأولمرت ليتنصل من التزاماته. وهو رد غامض، إذ لا يدري الفريق الفلسطيني ما هي التزامات أولمرت. وإذا كانت ثمة التزامات، فلماذا لا يتم العمل على الضغط عليه ليلتزم بها فعلاً وبدون تلكؤ؟!.
إن المفاوضات بين الجانبين تمر في أزمة واضحة المعالم. عنوان الأزمة أن الجانب الإسرائيلي يتهرب ويتملص ولا يلتزم بشيء، وإن الجانب الفلسطيني متهالك على المفاوضات. المطلوب ـ بكل تواضع ـ هو دفع الأمور نحو المزيد من التأزيم. ودفع الأمور نحو حافة الانفجار.
الخطوة الأولى الإعلان عن وقف المفاوضات، والقول علناً إنها كانت مفاوضات عبثية، وأنها شكلت ستاراً لمواصلة الأعمال الإسرائيلية العدوانية، ووضع شروط فلسطينية للعودة إلى طاولة المفاوضات: وقف الاستيطان، ووقف تشييد الجدار، ووقف العدوان، ورزنامة زمنية لإطلاق سراح الأسرى، وفك الحصار عن القطاع. ثم البحث في مرجعية المفاوضات، وسقفها الزمني، والأهداف المتوخاة منها.
الخطوة الثانية العودة إلى الشارع الفلسطيني (قبل العودة إلى العرب كما هدد عباس) فالشارع الفلسطيني، إذا ما تمت مصارحته ومكاشفته بالحقائق، وإذا ما استعيدت ثقته بالفريق المفاوض، وإذا ما وضع هذا الشارع أمام واجباته، بات بإمكانه أن يقلب موازين القوى لصالح الجانب الفلسطيني. وإن تعطيل قوة الشارع لا يخدم العملية التفاوضية بل يصب موضوعياً في خدمة المناورات التفاوضية الإسرائيلية.
هل يتحمل أولمرت دفع الأمور نحو الانفجار؟ وهل تتحمل الإدارة الأميركية مثل هذه الخطوة؟ وهل تتحمل الحالة العربية هي أيضاً فتح باب الصراع مع العدو على مصراعيه، بحيث تضع الحالة الفلسطينية النقاط فوق الحروف بشكل سليم.
بيد الجانب الفلسطيني أكثر من ورقة قوة. وهو إن واصل «مفاوضاته» (المسماة افتراضاً مفاوضات) يكون بصدد إحراق أوراقه واحدة تلو الأخرى.
الزمن ليس مفتوحاً على مصراعيه، وليس بلا سقف. فإما أن يعيد المفاوض الفلسطيني النظر بسياسته، مستغلاً الآن، حالة الضعف التي تشكو منها حكومة أولمرت الهزيلة، وإلا فإنه يكون قد فقد فرصة قد لا تتكرر في الأشهر المقبلة.
هذا على صعيد الرئيس الفلسطيني، أما على صعيد حركة حماس فلتتقِ الله في دماء الشعب الفلسطيني، وعليها وضع أجندة المشروع الوطني الفلسطيني في أولوية نضالها قبل وضع أجندات إقليمية أخرى.
وعليها أيضا توجيه مبادراتها نحو الأطراف الفلسطينية بدلا من إطلاق المبادرات نحو إسرائيل، ففي الأسبوع الماضي أطلقت مبادرتين تدعوان فيهما الجانب الإسرائيلي للقبول باتفاق تهدئة. الأولى أطلقها إسماعيل هنية، والثانية تقدم بها صحافي «مقرب من حماس». ويلاحظ أن المبادرتين أطلقتا في أجواء شديدة التوتر، تكاد تجمع الدوائر على أنها تحمل في طياتها مخاطر جدية لعدوان إسرائيلي واسع على القطاع.
وهذه ليست المرة الأولى التي تطلق فيها حماس «مبادرة» للتهدئة مع الجانب الإسرائيلي، فقبل ذلك أطلق هنية أكثر من مبادرة في هذا الاتجاه، وكذلك فعل رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، لكن من دون أن تلقى آذاناً صاغية من أولمرت.
ومن يراجع تطور الموقف لدى حماس في «التهدئة» مع العدو الإسرائيلي يلاحظ أنها قفزت قفزات نوعية، انتقلت فيها من مربع الرفض الكامل لمبدأ التهدئة، إلى مربع إطلاق المبادرات، والتلويح بورقة التهدئة، في الأوقات المناسبة منها، وغير المناسبة، حتى كادت هذه الورقة -على الرغم من أهميتها السياسية- أن تتحول إلى خرقة بالية.
***** مدير التحرير التنفيذي في صحيفة أوان الكويتية