تجسد مناسبة الاستقلال محطة مراجعة وتقييم تنطوي على رؤية مستقبلية مكنت بلدنا من رسم خارطة طريق وطنية اصلاحية شملت مختلف المحاور والمجالات ، وبدا اننا نخضع مسيرتنا التنموية الى معايير ومقاييس يمكن معها تحديد وجهتنا ومستوى التقدم الذي وصلناه . دون ان نغفل ما لهذه السياسة من مزايا وايجابيات ، تجعلنا نعود بمسيرتنا الى المسار او السكة الصحيحة كلما كلما انحرفت عن مسارها او اعترض طريقنا اي سلبيات او معيقات ، وهو ما تم التعبير عنه بالمشروع الوطني الاصلاحي الذي يعتمد الثبات والتدرج والتوافق ، بشكل ساهم في توفير ارضية اردنية قادرة على استيعاب اي تحديات او مستجدات . وهذا ما يفسر التعاطي الاردني الحكيم والمدروس مع تداعيات الربيع العربي وتحدياته وتحويلها الى فرص لتسريع وتيرة الاصلاح ، بطريقة جعلت بلدنا محط احترام وتقدير العالم ، الذي ابدى اعجابه بهذا النموذج الاردني الذي جعل من بلدنا جزيرة هادئة وسط اقليم مضطرب .
لقد مهد الاردن لمسيرته المستقبلية عبر سلسلة من المشاريع والسياسات والبرامج الاصلاحية ، كالتعديلات الدستورية التي كرست مبدأ الفصل والتوازن بين السلطات وحصنت السلطة التشريعية وعززت من استقلال القضاء وقادت الى استحداث مؤسسات دستورية وديمقراطية كالمحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للاشراف على الانتخابات . وكذلك منظومة النزاهة الوطنية التي تجسد متطلبا من متطلبات التجديد الديمقراطي ومخرجا من مخرجات المسيرة الاصلاحية من اجل استعادة ثقة المواطن بمؤسسات الدولة ، وحثه على المشاركة بعملية صنع القرارات ورسم السياسات العامة عبر ترسيخ مبادىء العدالة والمساواة الشفافية والمساءلة وسيادة القانون ومكافحة الفساد عبر اصلاح الانظمة المالية والادارية ، وضمان ادارة المال العام وموارد الدولة وتعزيز القيم المؤسسية والضوابط الاخلاقية وتمكين اجهزة الرقابة وتعزيز قدراتها المؤسسية وتفعيل دورها. اضافة الى وضع تصور اقتصادي للعشر سنوات القادمة بهدف تحسين النمو الاقتصادي وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي ومأسسة العلاقة بين القطاعين العام والخاص وتعزيزها وتشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومحاربة البطالة والفقر وايجاد فرص عمل اضافة الى خلق بيئة استثمارية جاذبة .
وقد تجلت معاني الاستقلال ودلالاته بما هي حرية وارادة وعزيمة واصرار في جولة جلالة الملك عبد الله الثاني الاخيرة الى بريطانيا واميركا ، ولقاءاته المتعددة مع فعاليات سياسية واقتصادية واكاديمية وثقافية وفنية ومؤسسات مجتمع محلي ، وهو يستحضر هذه المحطات الاصلاحية في جولته الناجحة والمثمرة ، والتي تندرج في اطار الجهود الملكية الهادفة الى ترويج الاردن اقتصاديا واستثماريا وسياحيا وثقافيا وفنيا ، استنادا الى بيئة اردنية امنة ومستقرة حافلة ببنية تحتية وبالكفاءات والخبرات والايدي العاملة الشبابية المتعلمة والمدربة التي تتقن لغة العصر ممثلة بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ، الى جانب وجود قوانين وتشريعات محفزة وجاذبة للاستثمار .
في الوقت الذي اكد فيه جلالة الملك على البعدين الانساني والاخلاقي في الرسالة الاردنية من خلال استضافة الاردن ما يزيد على مليون و300 الف لاجىء سوري نيابة عن المجتمع الدولي الذي رفع شعارات حقوق الانسان وترك للاردن مهمة تطبيقها وتفعيلها رغم محدودية موارده وامكاناته ، ليضع جلالته الاسرة الدولية امام مسؤولياتها الاخلاقية والانسانية والتاريخية في تقديم الخدمات والمساعدات الانسانية والاغاثية لمساعدة الاردن في تحمل الاعباء المتزايدة عليه جراء استمرار تدفق اللاجئين السوريين الى اراضيه.