قطر والمونديال .. و"الغيرة" القاتلة
طه خليفة
25-05-2014 06:02 PM
عبد الباري عطوان رئيس تحرير جريدة "القدس العربي" السابق أسس جريدة إلكترونية، وهي في تبويبها لا تختلف كثيرًا عن "القدس العربي"، فهي تتضمن مثلاً نفس الباب الخاص بنشر ترجمات لمقالات وافتتاحيات الصحف العبرية، وهو مغرم بذلك، ربما استنادًا إلى منطق "اعرف عدوك"، لكن ما يقوله (...) لن يكون دومًا في صالح الشعب الفلسطيني، الذي ينتمي إليه عطوان، ولا الشعوب العربية، ولا قضايانا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وعطوان عندما يظهر على الفضائيات يكون متشنجاً محتدًا غاضبًا وهو يتحدث عن الأوضاع الفلسطينية والقضايا المختلفة حتى لا تكاد تفهم منه شيئًا بعد مرور أول دقيقتين على بدء حديثه، وهو اعترف بذلك في حوار مع عماد أديب على فضائية "سي بي سي"، وكان يطمئن أديب بأنه لن يتوتر، بل سيحتفظ بهدوئه تمشيًا مع عنوان البرنامج "بهدوء" والذي اختفى من شاشة تلك القناة كما اختفى صاحبه، ويُقال إنه هرب للخارج بعد صدور أحكام ضده بالحبس في شيكات بدون رصيد وتراكم 16 مليون جنيه ديونًا عليه للأهرام متأخرات طباعة الصحف التي يصدرها، وهي "العالم اليوم" و"نهضة مصر"، والمهم أن أديب كان يعطينا دروسًا ليلية عبر برنامجه حول الحق والواجب والالتزام والمصداقية والأمانة، بينما الأيام كشفت أنه لم يسدد ما عليه من ديون والتزامات وأمانات، علاوة على أنه في الإعلام والسياسة لم يثبت على موقف فقد استدار من مناهضة ثورة 25 يناير وتأييد مبارك ومطالبته بمنح الأب فرصة ليكمل فترته، إلى ثوري بعد سقوط مبارك في 11 فبراير، ثم ينقلب على ثوريته "الينايرية" المزعومة بعد 30 يونيو عائدًا إلى مباركيته العتيدة.
المهم أن (الموقع) وفي باب "صحف عبرية" نشر يوم الجمعة الماضي تقريرًا مطولاً للكاتبة الإسرائيلية "سيمدار بيري" في جريدة "يديعوت أحرنوت" عن أوضاع العمالة الآسيوية في قطر بمناسبة الإعلان في مؤتمر صحفي عن مشروع القانون الذي أعدته وزارة الداخلية بشأن إلغاء الكفالة ومنح المقيمين ميزات عديدة تجعلهم في أوضاع غير مسبوقة خليجيًا، وهي مكتسبات مهمة تؤكد حرص قطر على تنفيذ التزاماتها الدولية، وبدل أن تتحدث الكاتبة بإنصاف وأمانة فإنها تبث سمومًا قاتلة في سطورها؛ حيث تترك مشروع القانون وهو خطوة كبيرة مهمة كانت أحق بالكتابة عنها لتنحرف إلى الحديث عن أوضاع العمالة، ومن يشتغلون في الشمس الحارقة، ويُتوفون بسقوطهم من على السقالات في المنشآت المتعلقة بكأس العالم 2022، وللعلم فما كتبته "بيري" هو عزف على نفس النغمة التي بدأتها منذ فترة "الجارديان"، وقد ثبت أن ما نشرته الصحيفة البريطانية كان مزيفًا وموجهًا ومقصودًا لذاته، فبريطانيا فشلت في نيل تنظيم المونديال في 2018، وفي نفسها شيء من قطر التي نجحت في الفوز بشرف استضافة البطولة الكروية الكبرى في 2022 في مفاجأة مذهلة متفوقة بملفها الرائع الشامل على كبريات دول العالم: أمريكا وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية. ومن يومها و"الغيرة" تأكل قلوب وعقول عدد من البلدان التي تستكثر على قطر هذا الإنجاز التاريخي الذي فشلت في تحقيقه دول كبيرة بالمنطقة والعالم، وقطر اعتبرت أن فوزها بتنظيم المونديال هو فوز لكل العرب، بل للأمة الإسلامية كلها، فهي المرة الأولى التي ستنظم فيها دولة عربية وإسلامية تلك البطولة، ومن أسف وبسبب "الغيرة" و"الحسد" دأبت أطراف عربية على تغذية تلك الحملات المسمومة بغرض سحب التنظيم من الشقيق العربي، وهو سلوك لا يليق بعلاقات وروابط الأخوة والعروبة واللغة والدين والدم والمصير المشترك.
لم أجد جديدًا في التقرير الإسرائيلي، فهو تكرار لما سبق وتم نشره في "الجارديان" وصحف أخرى موجهة، وقد اندهشت أن يحتفي عطوان بتقرير مثل هذا، ويفرد له مساحة كبيرة فضلاً عن ضعف الترجمة وركاكة الأسلوب والصياغة والمصادر المجهولة والعبارات المجتزأة.
لا تفسير لهذا السلوك الصحفي إلا أنه مقصود وموجه ومدفوع من أطراف تخطط لتلك الصحيفة وترسم توجهاتها وتمولها أيضًا، وإلا ما تفسير التركيز على كل ما يتعلق بقطر بشكل خاص في منطقة الخليج مع عدم الإتيان على أي ذكر لما يجري في بلدان أخرى إلا رصد الإيجابيات ونشر الموضوعات الدعائية والترويجية فقط؟.
هناك نشرة يومية من ترجمات الصحف العبرية تصل لصحيفة عبدالباري عطوان تتضمن مواد عددية منوعة، وهو عندما يختار هذا التقرير فقط ولا ينشر أي تقارير أو مقالات أخرى في هذ اليوم فإن هذا يؤكد تعمد التصويب على قطر خصوصا عندما يرفق صورة سمو الأمير مع الموضوع في الصفحة الرئيسة وفي الصفحة الداخلية، ولو كان هناك محرر قرأه جيدًا فإنه وبسهولة لن يجده جديرًا بالنشر في تلك المساحة الكبيرة المبالغ فيها.
طبيعي أن تكتب صحفية إسرائيلية بسلبية عن قطر، أو أي بلد عربي آخر، فليس متوقعاً أن تتمتع بالإنصاف والعدالة والموضوعية، فالعداء بين إسرائيل والعرب طابعه ليس عسكريًا فقط، بل هو سياسي إعلامي ثقافي فكري أيضًا، مع ذلك فهذا المنشور المغلوط له فائدة خفية وهو أنه يدحض ويرد على من يكذبون ويروجون عن وجود علاقات بين قطر وإسرائيل، فلو كان الأمر كذلك ما كانت الصحيفة الإسرائيلية نشرت مثل هذا المقال الطويل الهش، بل كانت تجاهلته، أو نشرت مقتطفات منه في مساحة مقتضبة.
عمومًا الشهادات الدولية من الجهات الرسمية والبرلمانية والحقوقية والشخصيات المعتبرة التي تزور قطر تخرج كلها إيجابية وتثمن الإصلاحات التي تجريها الدوحة، وتتوالى الإشادات بتحسين أوضاع العمالة، وتوفير كل سبل الراحة والرعاية لها، ومنحها كامل حقوقها، كما أن سفراء الدول الآسيوية التي لها عمالة في منشآت المونديال تدحض بنفسها مزاعم الإعلام الغربي والمنظمات الانتهازية بشأن أوضاع عمالتها الجيدة المستقرة الآمنة.
تمضي مسيرة قطر للأمام، ولا تنظر للخلف، وتتحدى كل الصعاب والمؤامرات، وتبني وتنجز وتستعد للمونديال صيفًا أو شتاءً، حيث أكدت مرارًا جاهزيتها للبطولة في أي وقت، معبرة عن ثقتها في نفسها وإمكاناتها.
وكل هذا الذي يدور حول قطر مبعثه الانطلاقات الواسعة والمشروعات الطموحة التي تنجزها في زمن قصير تطوي به الزمن وتقطع به المسافات مما لا تستطع فعله بلدان أخرى عديدة. (الراية قطر)