استقلت الأوطان .. وبقي الانسان يحاول!
د. وليد خالد ابو دلبوح
25-05-2014 04:08 AM
في استقلال الوطن نقول: ما أكبر الحرث .. وما أسمن "العجول"!
تحررت الارض قبل تحرر أبنائها ... وانفصل الجسد عن الرأس .... الاول حر والثاني عبد ... وبقي ما فوق التراب تراب ... ولطالما درجت العادة ان يتحرر الانسان فكرا وجسدا وهوية اولا ... ثم لينطلق ليحرر الارض تاليا ... ولكن ما حدث عندنا أن تحررت الارض قبل ان يتحرر الانسان ... واستقل التراب ولم يستقل ما فوق التراب ... ومن هنا جاء استقلالنا لليوم متأرجحا ... غير متزن ... الأرض حره ... وما فوقها لازال ينشد حريته ... ألام حرة .. وابنائها مكبلون ... والجسد حر ... والرأس مقيد ... فأين الاستقلال في يوم الاستقلال؟! نفرح للأرض .. ونبكي الانسان؟!
عندما استقل المواطن الفرنسي ... استقلت من بعدها فرنسا ... وعندما تحرر "الانسان الفرنسي" وأصبح عظيما ... تحررت الأرض فأصبحت فرنسا عظيمة ... فأنشات هذه الام المصانع تلو المصانع والمفاعل تلو المفاعل والعقول لازالت تنفجر عظمة وفخرا لليوم ... وأخرجت "البيجو" و "الفيات" والميراج" ... فكانت يدها هي العليا .. وايدي غيرها هي السفلى ... ما عليكي زود يا بلاد فولتير!!
في استقلال الشعوب نقول: نريد "نشمي" ... عجل خفيف وزن .. ليستطيع حرثها!!
العجل عندنا ... لا يأكل من الأرض ... بل يأكل الأرض نفسها ... فلا يقوى من التخمة على حرثها .. ومن هنا كان من الضروري وجود "النشمي" بيننا والذي تبين انه مجرد دمية ... طالما انتظرناه طويلا ... ومن هنا اقول ...
أحمد الله أن متعني بالصحة وطول النظر ... حتى رأيت "بأم عيني" اخيرا ... هذا "الرجل النشمي" أبو 60 ليرة.. وأشكره عز وجل أن كشف لي "المستخبي" ... ليخرج علينا "النشمي" على هيئة دمية ظنناها رجلا حقيقيا يوما ما ... و الذي طالما تغنينا وتحدثنا عنها منذ نعومة أظفارنا ... واستثمرنا قصتها الخيالية شر استثمار ... وحصدنا الملايين من الدنانير جراءها على أرض السرح لا على أرض الواقع ... ما طاب للبعض من الاغاني والرقصات والدبكات ... مثنى وثلاث ورباع ... ويزيد!
وحيث أصبح "الرجل النشمي" عندنا اليوم ... دُمية... يعرض ب 60 دينار مع الضريبة ... ... "بلوس بلوس" ... مغلف بأجمل الاوراق وابهى الالوان ... مبتسم 24 ساعة... ماكل شارب نايم ... صنم لا يتحرك داخل قفصة ... وفي التنزيلات ... يقدم مجانا عند شرائك البيتزا .... فما بالكم "بأنصاف النشامى" الذين يديرون شؤون حياتنا في مختلف السلطات والدوائر والمؤسسات!
لربما جاء "شراء" جلالة الملك "للرجل النشمي" ... اشارة منه انه فعلا يبحث عن هذا الرجل ... ولربما جاءت زيارة جلالته "خصيصا" ليقابل هذا الرجل... دلالة على استمرار حرص جلالته الدؤوب للبحث على مثل هكذا رجال وكم نحن بأمس الحاجة اليها ... ولو استدعى الامر للذهاب اليهم شخصيا ... رحمة بنا وحرصا على الوطن على حد سواء! ولربما أيضا عمد جلالته الذهاب الى هناك وتصفح أركان المعرض ركنا ركنا ... قطعة قطعة ... ليختار في محصلة زيارته ... هذا المجسم فقط وبالتحديد ... في وضح النهار وبين الجمهور ... وتحت اضواء العدسات ... لأن يدلل أن هذا الوطن بحاجة حتى يستقل فعليا ... لا الى مال ... ولا الى داتا شو ... ولا الى خطابات لا تسمن ولا تغني من جوع ... بل بحاجة فعلا الى انسان ... الى مثل هذا "النشمي" ... فقط لا غير ... حتى يتحرر اولا ويستقل الوطن من بعده تاليا!
الخاتمة:
لن انتظر قول القواميس والمعاجم في الاستقلال ... ولا يهمني "برج" التاريخ في عيد الاستقلال بقدر ما يهمني فعل "برج" الاحياء في الاستقلال ... ليس من المعقول ان نحتفل بالجماد وننسى الانسان ... لان الاستقلال هي كلمة يجب أن ترمز الى استقلال الشعوب روحا وعقلا ... اولا واخيرا .. اما الارض فهي باقية لن تذهب ... تحيا فقط عندما يحيا فيها ويحييها الانسان ... تموت اذا مات من عليها وتحيا بايدي وعقول من فوقها ... فكم من ارض مثل ارض المانيا وفرنسا واميركا والصين ... بأنهارها وجبالها ووديانها ... ولكن ما يميز هذه الارض عن تلك .. هو ذاك الانسان الحي او الميت الذي يقف عليها ... الذي يعطيها ويأكل منها ... لا الذي يسرقها ... وياكها بأكملها ...
استقلال الشعوب لا يجب أن يؤتى منحة وبالبرامج والداتوشو ومن الخارج ... بل بالارادة والصبر واحترام الذات والاهم من ذلك .. وليأتي من الداخل ... ولن يبدأ هذا الا اذا بدأنا معا بالعمل على استقلال التعليم واستقلال القضاء ... حمى الله اردننا الغالي وحفظ لنا جلالته وابناءه في الاردن وفي جميع ارجاء المعمورة!