قبل أحداث الخامس والعشرين من يناير المصرية بأسابيع قليلة، اتصل بي مقدم البرامج الحوارية في محطة المحور الفضائية سيد علي، وطلب مني المشاركة في حوار على الهواء مع مثقف مصري كل ما كنت أعرفه عنه أنه ليبرالي، ويبدو أن كلاً منا بدأ يبحث عبر الإنترنت عن مكونات الآخر الثقافية وموقفه السياسي، وكان سيد قد أعطاني هاتف الرجل كي ننسق ونمهد للحوار، لكنه ما إن اتصلت به حتى أغلق الهاتف! ولم أعاود الاتصال به كما أنني لم أذهب إلى تلك المحطة، ولم أدهش من الموقف لأنه قابل للتكرار للأسباب ذاتها.
الآن وبعد أكثر من ثلاث سنوات عرفت لماذا اتخذ هذا الرجل موقفاً جذرياً مني ومن الحوار الذي كان سيجري بيننا، فقد نشر اسمه مع أسماء أخرى في وثيقة أطلقت عليها مجلة الأهرام العربي اسم وثيقة العار، وهي تتلخص في لجوء عدد من الساسة والناشطين المصريين والعرب عام 2009 إلى الإدارة الأمريكية طالبة منها تغيير نظم سياسية، وتحقيق مناخات ديمقراطية حسب الوصفة الأمريكية التي طالما بشر بها الان جي أوز، أو الان جي موز لا فرق، وحين رأيت توقيع هذا المثقف وصورته على الوثيقة تبدد القليل من العجب، لأنني عرفت السبب، فالرجل على ما يبدو قرأ مواقفي السياسية من خلال المقالات والكتب والندوات ومنها الحرب على العراق وحين أدرك أننا من سلالتين متناقضتين قرر أن يقفل الهاتف وألاّ يعتذر عما اقترف.
لأن الحوار كان سيسمي كل شيء باسمه، وأن يكشف المستور ان كان هناك مستور في زمن فاحش ودع الناس فيه الخجل. لم أكن بانتظار وثيقة كهذه، لكن المصادفة هي ما أعادت إلى ذاكرتي ذلك المساء القاهري، حين كانت الأقنعة مرمية على الرصيف لمن يريد أن يستر موقفاً سياسياً أو عورة.
فماذا لو انتصرت هذه السلالة العلقمية نسبة لابن العلقمي، وتحول العالم العربي كله إلى اطلال وغنائم؟
وماذا لو نجحت خطة التقسيم!
هل كانوا سيحتفلون بمئوية سايكس- بيكو بالقرب من المأتم القومي الذي نبكي فيه دماً؟
لكنه التاريخ.. بمفاجآته ومكره الهيجلي فهو يمهل الغراب الذي يصطنع الهديل والأفعى الباحثة عن الدفء في معطف ضحيتها كي تبيض!
ولولا أن الرئيس التونسي المخلوع قال الآن فهمت، لقلت هذه العبارة لكن بعد ثلاث سنوات وليس بعد ثلاثين سنة!!
(الدستور)