من أين يأتي الحنين ؟! .. *ناهض الوشاح
24-05-2014 03:48 AM
حين يأتي الصيف لا أبحث عن إجابات من المستحيل العثور عليها، لأن الأسئلة التي لم أعشها بعد أكثر بكثير من تلك التي أذكرها في هذا الحضور الساحق لوجه يفوح بالهزيمة ولروح تفقد معنى الطمأنينة .
على مهلٍ أرمي حجرا على عصافير الذاكرة ... منها ما يبقى على غصن القلب ومنها ما يسقط بمجرد دمعتين تُبلل جناحيه يتلكأ في السقوط يخربش الهواء بصوته وأنينه ... لكنه يقتنع في النهاية أن الأرض تجعلنا متساويين حين تميل بنا إلى الغروب .
لم ننتبه أننا كبرنا ... غافلنا فرح عاثر ونحن نركض خارج أسوار المدرسة صوب بائع (السندويش )... أنت تشتري( الفلافل) ... أنت تشتري العصير ... وأنت تشتري خبز الحمام ... بل أنا من يشتري خبز الحمام ... أحب الحمام حين يطير وحين يُنادي بأعلى هديله على العاشقين الذين لم يستريحوا ولم تجفف الشمس رحيق قبلاتهم المسروقة .
لم نذق طعم السجائر مثل كثير من الأطفال الذين لم يذوقوا حليب أمهاتهم ... نُغافل حارس المدرسة حين تأخذه سنة من النوم ... على أطراف ضحك ندخل حصة التاريخ ... الأستاذ بالمرصاد ، بين مكانين نتيه في إجابة سؤال يطرحه علينا من يجيب عليه ينجو من العقاب .
أتأمل العصا وهي تتأرجح في كفّ مليئة بالطباشير البيضاء والزرقاء ...تُربكني وقفته ... يُباغتنا سؤاله ... حين اكتشف كريستوفر كولومبس أمريكا الجديدة ... حدث أمر مهم في هذا الوقت من التاريخ ... ماهو هذا الحدث ؟
ضرب العصا على طاولته ... لو هوى بها على جسد أحد منا لخر على الأرض مغشيا عليه ... أنتحي مكانا قريبا من الذبول ... ترتعش شفتاي ... أحاول الكلام ... لكن الصمت يسكن قلبي منذ تلك الصفعة التي صفعني إياها والدي وأنا عائد مع أصدقائي في يوم صيفي فضفاض ... سألني كما يفعل الأستاذ : ... لماذا لم تذهب للعمل ؟ ... بصاق صرخته مازال يطفو أمام عيون من رأوني ولم يعد يعرفوني .
عطلة الصيف للعمل وليست للعب ... هكذا كان يقول دائما ... وهكذا يقول المعلم ... المدرسة للتعلم وليست للعب .. لكن سؤاله لم يكن ضمن ما نأخذه في المنهاج ... كان العقاب قادما لا محالة .... صفعة .. ركلة في المؤخرة ... أحضر ولي أمرك ...
تتلجلج الكلمة تحت لساني ...تأخذني رعشة الخوف من الإجابة الخاطئة ... لما لا ... ما خاب من جرب حتى وإن كانت خاطئة .. لا أظن أن العقاب يساوي جريمة تنازل العرب عن الأندلس ... دخل كولومبس أمريكا وخرج العرب من الأندلس
لم أبك مثل الصغير ولم أفرح مثل الأمير لكن صرخته كانت مدوية ... ماذا قلت : همسا أعدت ترتيب ذهولي .
رائع لا أقل بل أكثر .
يُلقي عصاه أرضا ويضم وجهي بين يديه ... اذهبوا فأنتم الطلقاء .
مضى زمن طويل لم نعد نعثر فيه سوى على بقايا من ريش العصافير العالق بين الأمس واليوم... وربما غدا لن يكون طويلا ...
تطويني الأيام في صيف يختفي بين السطور ...وفي صمت أُفتش عن سعادة نركض خلفها ... لا تأتي ولا نصل حتى تتركنا نُحدّق بذاكرة لا تنجو من شغف حضن خلا من معانقة ضيف في هذا الصيف ... كان يسكن هنا ... هنا في قلبي .