أيُّها البَابا .. لكَ السّلام
محمد حسن التل
24-05-2014 03:00 AM
لأنّنا أصحاب دين السّلام، ورسالة السّلام، ولأنّنا أمّة سلام، ولأنّ نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم نبي الرحمة والسّلام، ولأنه بشير قبل أن يكون نذيرا للناس كافة، ولأنّ الله عزّ وجلّ ربنا وربكم الواحد، سمّى نفسه بالسّلام... ولأنّك رمزٌ للمسيحيين في هذا العصر، ولأنّ قيادتنا الهاشميّة التي تضرب جذورها إلى بيت النبوّة، علمتنا أنْ نحترم الضيف، ولأنّ سيدنا عيسى بن مريم عندنا بمنزلة نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، فنحن نؤمن بالله الواحد وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرّق بين أحد منهم؛ نستقبلك اليومَ ايها البابا فرنسيس الأول بكلّ حفاوة وتكريم، لا حدَّ لهما على أرض الأردن المُباركة، ونقول لك....لكَ السّلام.
أيّها الحبر الأكبر، إنّنا في الأردنّ نعيش مسلمين ومسيحيين، حياة مشتركة تقوم على احترام كلّ طرف للآخر، نُعظّم المشترك ونتجاوز عن الاختلاف، فنحن أصحاب حضارة واحدة، شركاء في المغنم والمغرم، فالمسيحيون في نظر المسلمين هنا وفكرهم، أصحابُ أرض وأصحابُ حضارة وأصحابُ حقوق، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، فالطّرفان شركاء في وطن واحد، نموذجٌ أردني رسّخه الهاشميون عَبر العقود على هذه الأرض المُباركة، فبرز هذا النموذج يعكس حقيقة الفكر الإسلامي، الذي أُطّر في رسالة عمان.
ندعوكَ أيّها الحبر الأكبراليوم، وأنت تقف على مغطس السيّد المسيح على هذه الأرض المباركة، ونُذكّرك بأنه على مرمى نظرك غربًا، هناك شعب يُذبح، ويُشرّد وتُدمّر بيوته على رؤوس ساكنيها، من قبل اليهود، كما فعلوا تماما بالمسيح وأتباعه، فالتّاريخ يُعيد نفسه، فهؤلاء لا يعترفون بالآخر ولا يُقرّون بعيش معه، ندعوكَ اليوم أنْ يكون صوتك صوت عدل ورحمة، وأنت من أتباع نبي المحبّة والرّحمة، ولأنّنا اليوم نعيش في عالم ظالم يغضّ البصر قاصدا عن الجرائم على أرض فلسطين، فلا حُرمة لمسلم أو مسيحي، ولا لمسجد أو كنيسة، ولا لأقصى ولا قيامة، ندعوكَ بأنْ تكون سندًا هناك للمظلومين، الذين لم يَعد يسمع صوتهم أحد، فصدورهم عارية وظهورهم مكشوفة، وهم الذين يدافعون عن حُرمة المسيحيّة والإسلام أمام هجمة همجيّة، لا تعرف معنى الرحمة والعدل، ولا تعرف قدسيّة أديان ومقدّسات.
فلسطينُ يا سيّدي أرضُ المسيح عليه السّلام، ومسرى محمد صلّى الله عليه وسلّم ومعراجه، حقُّها عليكَ اليوم أنْ يعلو صوتك؛ مطالبا بإحقاق الحقّ وإنصاف المظلومين، وعودة الحُرمة إلى هذه الأرض المقدّسة، فمنذ ما يقارب قرنا واليهود يعيثون فيها قتلاً وتدميرًا وظلمًا، لا يحترمون عدلاً ولا يُقرّون ميثاقًا ولا عهدًا ولا عُهدةً.
أيّها الحبر الأكبر، إنّ الإسلام اليوم يتعرّض لأبشع حملة تشويه من قبل بعض أبنائه، الذين ضلّوا الطّريق، واستباحوا القتلَ، ظانين أنهم على الطريق الصحيح، فعكسوا صورة بشعة عن الإسلام في ذهن الآخرين، واستغلّ خصوم الإسلام ودعاة الفتنة في الأرض هذا الواقع الأليم، وجرّحوا صورة الإسلام، وأظهروه دين قتل وتدمير، والإسلام من هذا براء، فالإسلام دين رحمة ودين عدل وبناء وتعايش مع الآخر، وبنى أبناؤه أعظم حضارة عرفها التاريخ كما تعلم.. وما يحدث اليوم لا علاقة للإسلام به، فالإسلام كما يعرفه كلّ عادل، دين سلام يقدّس الحياة والروح الإنسانيّة، فالله عزّ وجلّ في القرآن يقول «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا» قال النّاس، ولم يخصّ المسلمين فقط، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:«الإنسانُ بنيانُ الله ملعونٌ من هدمه» وقال الإنسان على العموم، ولم يَقل المسلم، وهنا تبرز عظمة الإسلام بأنه لا يفرّق بين بشر وبشر وروح وروح، فكنْ يا سيّدي صوت عدل وحقّ في هذا الواقع، ولا يغرنّكَ ما يقول أعداء الإسلام عنه، وأنت الأعلم والأدرى بطبيعة هذه الرسالة العظيمة.
نستقبلكَ اليوم على هذه الأرض المُباركة، ونحنُ نستذكر عَبر القرون ورقة بن نوفل والراهب بحيره، والنّجاشي والمقوقس، وكلّ المسيحيين الذين وقفوا مع الإسلام في بداية دعوته..
والسّلام لكَ وعليكَ ولكلّ المسيحيينَ في الأرضِ.
(الدستور)