فجّر ائتلاف "مبادرة" النيابي، الذي يضم 35 نائبا، قنبلة شديدة التأثير في وجه الحكومة، قبل أيام قليلة من انطلاق أعمال الدورة الاستثنائية لمجلس الأمة، التي ستبدأ في الأول من الشهر المقبل.
"قنبلة" نواب "مبادرة"، تأتي في توقيت جد حرج للحكومة، وخاصة في ظل ارتفاع منسوب الحديث عن قرب رحيلها، وتوسع قاعدة مراكز القوى التي تعمل على تقصير عمرها، وتغيير وجوه وزرائها.
"المبادرة"، التي أعلنت عن تشابك تشاركي مع الحكومة، لإنجاز سلسلة من الملفات المهمة المتعلقة بالطاقة والنقل والتعليم، والتعليم العالي والعمل والسياحة والإصلاح السياسي وغيرها، وجدت نفسها بعد أشهر من هذا الاشتباك، تعزف على وتر التشاركية بمفردها، من دون مشاركة الحكومة في أي مقطوعة تعزفها، وإن حصلت مشاركة حكومية، فإنها تحصل في حدودها الدنيا.
ما كشفه الخلاف النيابي-الحكومي أظهر هوة واسعة في التواصل بين الطرفين، ففي الوقت الذي كان ائتلاف "مبادرة" يسير باتجاه التأسيس لمبدأ التشاركية بشكلها الصحيح، ويضع مفاصل أساسية لإنجازها، كانت الحكومة -كما ظهر- تعزف على وتر تمرير الوقت وقطع المراحل، من دون أن تقدم ما يعزز مبدأ التشاركية، وحتى فيما يتعلق بمسألة حقوق الأردنيات المتزوجات من أجانب، فقد ماطلت الحكومة بها أشد مماطلة، وشكلت لجنة، تتبعها أخرى لدراسة الملفات، وعندما سربت ما أنجز في هذا الشأن، ظهرت التوصيات بشكل مشوه، فلم تقنع المقترحات المقدمة نواب "مبادرة"، الذين اعتبروا ما تم تسريبه "دهاء حكوميا" لا يجب أن يقدم لفريق يطمح بالتشاركية مع الحكومة.
حتى اللحظة، فإن الحكومة ذاهبة -كما يبدو- لخسارة فريق نيابي عريض، أمن لها خلال الدورة العادية المنصرمة، سدا منيعا، وساهم بعضه في إنقاذها من محطة حجب الثقة عندما طرحها نواب.
ذلك يعني أن الحكومة إن لم تستند على فريق نيابي آخر يحملها خلال اجتماعات المجلس في دورته الاستثنائية المقبلة، فإنها ستجد نفسها أمام طاحونة انتقادات لا تنتهي، وتحت وقع نقد مرتفع المستوى من النواب، وأمام خطر قنابل متفجرة من كل حدب وصوب، وتلك القنابل مؤكد أنها ستؤثر على جدران "الدوار الرابع"، وستعمل على خلخلة بنائه، وقد ترحّل ساكنيه.
ما يرشح على لسان أعضاء ائتلاف "مبادرة" حول الأزمة مع الحكومة يؤشر إلى أن بداية فك عقدة التحالف قد بدأت، وأن الحكومة عليها مراجعة خياراتها وإعادة تموضعها من جديد، وفتح طاقة حوار بين الطرفين، لإنقاذ ما يمكن انقاذه من تشاركية أصبحت فقط حبرا على ورق، ولم ينجز منها حتى الآن سطر، وتكدست المقترحات وأوراق العمل المقترحة في أدراج الحكومة من دون تنفيذ.
عندما لجأت "مبادرة" لرفع صوتها ضد الحكومة، رفضا لـ"مماطلتها"، فلأنها تتخوف من مآل توصيات وأوراق عمل سابقة، كانت قدمتها لجنة الأجندة الوطنية والحوار الوطني، وعملت عليها شخصيات سياسية واقتصادية واجتماعية وتربوية وحزبية وازنة، ولكن لم ينفذ منها ولو ورقة عمل واحدة، ووضعت على الرف.
في كل الأحوال، فإن بقاء حالة التوتر على أشدها، من دون تدخل أطراف لإحداث مصالحة، وبقاء الحكومة من دون حائط صد نيابي، خلال "الاستثنائية"، يؤشران إلى مطبات، وتصعيد نيابي لا محدود، يعززها وجود فريق نيابي معارض أصلا للحكومة، وبالتالي فإن هذه الحكومة، وأي حكومة أخرى، لن تستطيع الوقوف في وجه هذا التصعيد.
صحيح أن أجندة الاستثنائية لا يوجد عليها ما يتعلق بالثقة بالحكومة، لكن الذاكرة النيابية ما تزال تتحدث عن عديد مذكرات حجب الثقة، التي أطاحت بحكومات عديدة سابقة، بعد أن قدمها نواب إما في الدورات الاستثنائية، أو خارج إطار الدورات النيابية أصلا.
(الغد)