لا يمكن القول ان الديمقراطية هي عقيدة سياسية، بل اصبحت ثقافة عالمية ومنهج حياة، اسلوب عيش يستند الى قيم ينبثق عنها سلوك نقول عنه سلوك ديمقراطي، وصحيح ان الديمقراطية هي شكل لنظام سياسي، ومن هنا نفرق بين نظم سياسية ديمقراطية واخرى استبدادية او ديكتاتورية، وتنطلق الديمقراطية من مبدأ الفردية على اساس ان الفرد كيان قائم بذاته، ويحترم لذاته وهو حر لا يجوز تقييده او تكبيله لان حرية الفرد هي الاساس في ما يسمى بالديمقراطية الليبرالية، وهي منتج حضاري غربي، فالانسان حر لكنه مسؤول عن اختيارته والحرية هنا مقيدة في اطارين أحدهما قانوني والاخر اجتماعي.
وعليه فان مبدأ الحرية هنا هو نسبي وليس مطلقاً.
ان الاسس التي تنطلق منها الديمقراطية تقوم على احترام كرامة الانسان، والايمان بمبدأ سيادة القانون، والايمان بالعدالة والمساواة، واحترام حقوق الانسان وحرياته العامة الى غير ذلك من مبادئ اساسية لا مجال للحديث عنها هنا.
اما اول شروط انبثاق الديمقراطية فهو الوعي اي الادراك السياسي اي المعرفة بالواقع والتحديات وما يسمي بالبيئة التي يعيش بها الفرد، وثاني الشروط هو التعليم اي انتشار التعليم القراءة والكتابة اي محو الامية وبل انعدامها ومن المعروف ان هناك ارتباطا وثيقا بين الشرطين الاول والثاني لان الديمقراطية يجب ان تتمثل بالحالة الذهنية للفرد كما هي التنمية بالمعنى العام.
اما ثالث الشروط فهو الانتماء للدولة بمعنى الاحساس والشعور العاطفي للفرد بارتباطه بوطن، وشعب، وثقافة ويسمى نفسه بها، ثم يرتبط بذلك شرط اساسي هو مفهوم المواطنة بمعناه القانوني الحقوق والواجبات وان يؤمن الفرد انه مواطن ينتسب لوطن يعرف نفسه به، ثم يأتي الشرط الخامس وهو انتهاء او تقليص الانتماءات الضيقة، القبيلة، العشيرة، العائلة، الجغرافيا، العرق، وغيرها، وما دام الفرد ينتمي للدولة وهو مواطن فيها لا داعي ان يعرف نفسه بأضيق الحدود، فالوطن الدولة هو المسؤول والمكان الذي يعيش فيه الفرد، فالولاء للدولة الوطن يتقدم على كل الولاءات الضيقة، لأن الاصل في بنية الدولة هو الحفاظ على التماسك الاجتماعي لكل المكونات الاجتماعية، والشرط السادس هو وجود مؤسسات مجتمع مدني فاعلة مستقلة عن الدولة والعائلة تقوم بدورها في شتى مناحي الحياة لخدمة الهدف الذي أُسست من اجله فلا هيمنة عائلية ولا ربحية واخيراً لا بد من وجود مستوى معيشي جيد يقوم على دخل يسد حاجات الفرد بمعنى ان يكون مرتاحاً اقتصادياً ومستواه المعيشي جيد ونوعية الحياة متطورة بصورة واقعية.
ان كل ما تقدم لا يأتي بالتنظير والاقوال وانما بالعمل والافعال من قبل كافة مؤسسات التنشئة الاجتماعية والسياسية في الدولة والاسرة، المدرسة، الجامعة، وسائل الاعلام، البرلمان المؤسسات الدينية وغيرها من المؤسسات ذات العلاقة لأنه من دون تضافر الجهود لكل المؤسسات السابقة الذكر وغيرها لا يمكن للديمقراطية ان تنبثق وتصبح ثقافة عامة ومنهج حياة، وعليه، فلا بد من توفر الارادة لدى الجميع في التهيؤ للانطلاق نحو مجتمع ديمقراطي حقيقي نحقق به الشروط السالفة الذكر، فالعمل لبناء مجتمع ديمقراطي يتطلب جدية وعملا ووقتا فالامر ربما يحتاج لاجيال جيل او جيلين حتى نصل، واذا لم نبدأ سيبقى الحال على ما هو عليه لان التغيير الاجتماعي من اصعب انواع التغيير، اننا ندرك تماما ان الامر ليس سهلا، والواقع ليس مريحا، ولكن ترك الواقع كما هو ليس في مصلحة احد لا الدولة ولا مكوناتها الاجتماعية، فالحاجة ماسة للتحرك نحو ثورة ثقافية اجتماعية سلمية وبصورة تدريجية لكي نضع اقدامنا على بوابة المستقبل ومن هنا يبدأ التغيير. "الراي"
Almashaqbeh-amin@hotmail.com