الصخر الزيتي أحد أحلامنا القديمة لمصادر وطنية بديلة للطاقة، وقد قيل إنه متوفر بكميات هائلة وأنه بترول الأردن البديل، لكن تم تثقيفنا برأي علمي يقول إن كلفة استخراجه عالية وسيصبح مجديا اقتصاديا عندما يرتفع سعر برميل النفط فوق الـ 60 دولارا، وبالفعل فسعر النفط استقر منذ وقت فوق المائة دولار، وقد يتذبذب عند هذا الحد أو يرتفع لكن ليس متوقعا اطلاقا أن ينزل إلى 60 دولارا مثلا.
المهم بعد سنوات طويلة من الأخذ والرد حول جدوى هذا المصدر والتقنيات المتوفرة لاستخراجه واستخدامه وصلنا إلى نتيجة عملية، ومنذ 3 أعوام تعمل شركة أستونية على هذا المشروع وقد بتنا على شفا توقيع اتفاقية نهائية لكن... خلافات مع الشركة حول الأسعار توشك أن تودي بالمشروع والشركة تهدد بأن تحمل أوراقها خلال أيام وترحل بعد إنفاق تقول إنه يزيد على 30 مليونا، والشركة تستعجل الاتفاق لأن المواعيد النهائية مع الممولين باتت قريبة جدا.
تدخلت لجنة الطاقة النيابية، وأمس التقينا وزير الطاقة والطاقم الحكومي وشركة الكهرباء الوطنية وممثلين أردنيين عن الشركة الأستونية وحاولنا أن نفهم ونعرف الخلاف، تحركنا مبدئيا مشاعر الاستياء من احتمال فشل المشروع، وينبغي القول أن شكوكا كانت تراود بعض الزملاء إزاء موقف الحكومة الذي قد لا يكون بصورة أو أخرى دافعه المصلحة العامة بل النية المسبقة بتعطيل المشروع خدمة لأجندات معينة.
أشعر بواجب إلقاء الضوء على هذه المسألة لأن ثمة انطباعا عاما عززته بعض الكتابات؛ أن الحكومة تحولت إلى إعاقة الاتفاق خدمة لأسباب غير المصلحة الوطنية العليا، وفي هذه الحالة بالطبع واجبنا تطويق الموقف الحكومي والدفع باتّجاه إنجاز الاتفاق، لكن إذا لم يكن الأمر كذلك نخشى أن نكون أداة بيد الشركة لتحقيق مكاسب جائرة على حساب المصلحة الوطنية.
تبيُّنُ الحقيقة ليس سهلا، إذا بعيدا عن تخمين النوايا يجب الذهاب إلى التفاصيل الفنية للخلاف وتقدير الصيغة العادلة للاتفاق وهذا شأن الفنيين المتخصصين، وهؤلاء موجودون على طرفي المعادلة، ويقدمون وجهات نظر مختلفة. لكن سأحاول إيجاز الموقف.
الطريقة المعتمدة ليست استخراج النفط من الصخر الزيتي بل حرق الصخر مباشرة لتوليد الطاقة الكهربائية أي أن المستثمر هو الذي سينفق المال ويتولى العملية كلها وإنتاج الكهرباء التي ستشتريها الشركة الوطنية كما تفعل مع شركات توليد الطاقة من النفط أو الغاز أو شركات الطاقة المتجددة كالرياح والشمس والتي أقدمت الحكومة على عقد عدة اتفاقيات معها. بهذه الصيغة يجب أن يضمن المستثمر أن الحكومة ستشتري الكهرباء بسعر معين ولفترة معينة وهي تمتد لأربعين عاما، وهناك أكثر من سيناريو لحساب السعر على امتداد هذه الفترة تأخذ بالاعتبار استهلاك رأس المال وتأثير التضخم على الكلف.. الخ، والشركة تقول إنها عصرت الحساب إلى الحد الأقصى الذي يستحيل المضي أبعد منه، وحتى الممولون لن يقبلوا ذلك لأن حسابات ستظهر خسارة المشروع.
أما بالنسبة للحكومة فقد يكون السعر مقبولا الآن قياسا للسعر القائم الآن لمصادر الطاقة الأخرى، لكن كيف يمكن الالتزام بهذا السعر لو توفرت بعد سنوات مصادر أرخص كثيرا مثل النفط والغاز العراقي وربما الغاز الوطني؟ الوزير يطرح هذا الاعتبار للدفاع عن موقفه التفاوضي وقد يبدو قوله لأول وهلة منطقيا، لكن بهذه الفرضية لا يمكن عمل أي مشروع، والحكومة نفسها لو استثمرت هي مباشرة بالصخر الزيتي وتحملت الكلف واكتفت بالأستونيين كمستشارين فنيين ستواجه نفس المشكلة إذا توفرت مصادر بديلة أرخص في المستقبل !!
أنا لا أميل لفرضية المؤامرة التي تعتقد أن الخيار النووي هو وراء تفشيل المشروع، أو مثلا مصالح نافذين لا تمشي المشاريع دون حصة لهم. افترض أن جماعتنا يتصرفون كما هو واجبهم، أي تقليص السعر إلى الحد الأدنى الممكن لكن دون عناد لدرجة الإطاحة بالمشروع، فعندها سيصعب كثيرا دحض نظرية المؤامرة.
(الغد)