رؤى عربيات - لم يكن من العسير عليه أن يدير ظهره لمطالبهم، ولم يكن صعباً أن يستخدم صلاحياته وفقا لقوانين الجامعة ويفض اعتصامهم، أو أن يوعز للمعنيين بتتبع غياباتهم وفصلهم من تخصصهم، لكنه أراد أن يقدم نموذجا ديموقراطيا فريدا في تعاطي الأب مع أبنائه والمربي مع طلابه والمسؤول مع من يقعون تحت مسؤوليته، هكذا أراد إخليف الطراونة رئيس الجامعة الأردنية أن تُدار أزمة طلبة كلية الدراسات الدولية في الجامعة الأردنية الذين يعتصم ما يقارب الثمانين منهم منذ ما يزيد على الأسبوع أمام كليتهم مطالبين بإقالة عميد الكلية (الدكتور زيد عيادات) من منصبه، وتعيين عميد آخر يستطيع استيعاب مطالب الطلبة وتفهم مشكلاتهم والسعي لحلها ولا يرفع الأسوار بينه وبين طلبة الكلية وفقا للشعارات التي رفعها المعتصمون.
ربما كان لمطالبات طلبة العلوم السياسية في كلية الدراسات الدولية ما يبررها، وربما كان عميد كليتهم مقصرا-بقصد أو دون قصد-في بعض القضايا التي يطرحها المطالبون بإقالته، لكن:
ما الذي يملك فعله رئيس جامعة مسؤول عن عميد الكلية وعن طلبتها وعن الجامعة كلها أمام هذه الطريقة الخارجة عن السياقات المطلبية المتعارف عليها في الجامعة الأردنية وفي غيرها من الجامعات الرسمية؟
- هل يرضخ لمطالب المعتصمين ويقوم بإقالة عميد كلية دون التحقق من الأسباب التي يسوقها الطلبة وهم يطالبون بتنحية العميد؟
- هل يسمح باغتيال شخصية علمية وأكاديمية شهد لها القاصي والداني بالعلم والمعرفة والتجديد والتنوير تحت دعاوى من شاكلة الطعن في صحة شهادة الدكتوراة التي يحملها، وأيضا، دون التحقيق في هذه المزاعم؟
- أي باب ستفتحه إقالة العميد بهذه الطريقة-إن تمت-على الجامعة الأردنية وزميلاتها من الجامعات الرسمية؟ فتصير إقالة أي عميد مرهونة بخيمة ولافتات تحمل ما هب ودب من التهم غير الموضوعية وبعض الخارجيين الذين يديرون العملية من خلف الكواليس لغايات في نفس يعقوب.
في لقائه الشهري على أثير إذاعة الجامعة الأردنية سمع الناس جميعا- وعلى الهواء مباشرة- كيف أصغى رئيس الجامعة لطالب من الطلاب المعتصمين وهو يهدد بتصعيد الاحتجاجات حتى إقالة العميد دون أن يقاطعه الرئيس أو يتوعده، وكيف تحمل الرئيس الطريقة الفظة في خطاب طالبة من المشاركات في الاعتصام دون أن يخرج عن مخاطبتها بمفردات الأب للبنت، وكذلك الأمر في اللقاء الخاص الذي جمع الرئيس بممثلين عن الطلبة المعتصمين، فقد روى بعض الحاضرين كيف كان الرئيس وبمسؤولية عالية وموضوعية أعلى يفند كل الاتهامات التي يكيلها الطلاب وادعاءاتهم بالحجة والبرهان وبنص القانون، ويقف على مسافة واحدة من الجميع، ويعلن أنه لن يرضخ للشائعات ولن يفعل إلا ما يمليه عليه ضميره فيأمر بتشكيل لجنة تقص للحقائق تعمل على توفير صورة شاملة للمشكلة وحيثياتها ليُصار إلى اتخاذ القرار المناسب بعيدا عن معارك الإعلام في تصفية الحسابات واغتيال الشخصية.
هذه هي الأسس الديمقراطية التي يحاول إخليف الطراونة وزملاؤه من أعضاء هيئة التدريس زرعها في أبنائهم طلبة الجامعة الاردنية، فلا أبواب مغلقة، ولا تزمت أو تمسك برأي، ولا خطوط حمراء، كل شيء قابل للأخذ والرد لكن تحت مظلة من الموضوعية والاحترام وعلى أسس من العدالة وإحقاق الحق ولو على حساب النفس.
كان واضحا لكل المتابعين– من داخل الجامعة وخارجها-لقضية طلبة السياسة أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن اللاعبين الأساسيين يختبئون خلف الستار ويحركون بأيديهم عرائس المسرح مستغلين مطالب الطلبة التي لا يخل بعضها من موضوعية، لكن كان أمام كل هذا المشهد رجل ذو حنكة تربوية ومبدأية عالية يعرف وقت اللين بغير عنف والشدة بغير ضعف، إنه إخليف الطراونة مرة أخرى.
بقلم رؤى عربيات/صحفية وطالبة دراسات عليا
في كلية الدراسات الدولية -الجامعة الأردنية