تنفرد مصر عن بقية العالم العربي بأن احداثها المحلية سرعان ما تتمدد خارج حدودها لتصبح مثارا للسجالات في النطاق، ويصل هذا التمدد ذروته في الانتخابات الرئاسية والتي نشهد هذا الاسبوع نموذجاً منها ومن النادر ان نجد عربيا من الماء الى الماء لا يبدي رأياً بهذا المرشح أو ذاك، فمعظم العالم العربي رغم انهماكاته المحلية وشجونه شهد اللقاءات المتلفزة مع السيسي وصباحي وكان لكل واحد موقفه في ضوء مرجعياته السياسية أو الايديولوجية، لهذا يمكن النظر الى عشرات الملايين من العرب على أنهم ناخبون لكن بلا صناديق أو أصوات وما نسمعه في الشارع والمقهى والجامعة والجريدة من حوارات حول الانتخابات المصرية يرسخ لدينا الاعتقاد بأن مصر رغم كل ما أصابها من انحسار وانكفاء خلال عدة عقود لم تفقد جاذبيتها القومية، وهناك تعويل عربي على نهوضها تماماً كما أن هناك مخاوف من العكس.
وقد يسيء البعض تفسير شعار مصر للمصريين الذي أطلق قبل ما يقارب القرن، فليس معناه اعلان القطيعة عن السياق القومي، والمقصود هو المستعمر البريطاني الذي نهب ثروات البلاد ونكل بالعباد، اذن تكون مصر للمصريين في أزمنة كتلك التي ولت بلا رجعة، لكن مصر المستقلة هي للعرب كما أن العرب لها، وقد اتضح ذلك في عدة أزمات سياسية واقتصادية وحتى طبيعية كالزلازل!
العرب ناخبون في مصر لكن بلا أصوات أو حواسيب، وحين تخرج مصر من أزماتها سيصبح المصريون أيضاً ناخبين بلا أصوات في كل المواسم الانتخابية العربية.
هذا النمط من الانتخاب الرمزي تشكل أمزجة سياسية واحيانا اعلامية اضافة الى نموذج مصري خالد في الذاكرة العربية هو عبدالناصر.
لهذا ليس مفاجئاً أن يتقاسمه المرشحان الوحيدان اليوم للرئاسة المصرية، وشعارات العدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية والرغيف النظيف ذات مرجعية ناصرية بامتياز، لكن ما يجب التنبيه اليه أو على الأقل التذكير به هو أن الأزمنة تتغير ولا يبقى من الماضي غير شحنته ورمزيته، ولا يستهان بهذا الميراث الوطني.
نعرف أن تلك العقود العجاف باعدت بين العرب، بل شهدته حروباً بينية ونزاعات حدودية وما يلوح الآن في الأفق القومي هو أشبه بالبشارة لأنه يوقظ الاحساس بكل القواسم المشتركة، وبأن التصدع الذي أصاب الأمن القومي بحاجة الى ترميم عاجل!
ولا أظن أن هناك قارئاً لهذه السطور لا يعبر عن انحيازه لهذا المرشح أو ذاك في مصر.. حتى لو كان ناخباً بلا صوت أو صندوق!
(الدستور)