وفّرت الدستور الصحيفة والمنتدى فرصة حوار نوعي عن الوئام الديني على هامش زيارة البابا للاردن , في جهد بارز للصحيفة ولرئاسة تحريرها والزملاء المعنيين بالمنتدى , وقدمت نخبة مختصة أوراق عمل جادة وهادفة أسهمت في إثراء حوار نوعي , أنتج معرفة لحضور سمعوا للمرة الاولى القواسم المشتركة بين اتباع الديانتين المسيحية والاسلامية والفوارق بينهما ايضا , وليس المقصود من الحوار جذب طرف الى الطرف الآخر بقدر ما كان الحوار كاشفا لحجم الجوامع وعارضا اوجه الاختلاف المحدودة , فالحوار في الاجواء الاردنية دائما هادئ بسبب التعايش الطويل وروح المواطنة الجامعة , لأن السؤال الطائفي ليس اولوية في الاردن ولن يكون بإذن الله طالما ان النخبة الدينية على هذا القدر من الوعي .
وفي الوقت الذي كان اتباع الديانتين يتحاوران بسقفٍ فكري عالٍ , كان ثمة سقف مخروق للحوار يجري بين اتباع الدين الواحد والفرقة الواحدة على فضاء الانترنت , فقد تراشق انصار تنظيم القاعدة , دولة الاسلام في العراق والشام “ داعش “ وجبهة النصرة في بلاد الشام , شتى انواع التهم وتوعدوا بعضهم بقطع الرقاب وإعمال السيف على الفئة الكافرة او الخوارج مستذكرين معركة النهروان مع الخوارج ومعارك الردة مع المرتدين , على حد وصف الباحث حسن ابو هنية , وكذلك فشلت كل محاولات العقلاء في رأب الصدع بين اتباع الدين الواحد في العراق ولبنان لكسر الانغلاق الطائفي داخل الدين الواحد وفشلت محاولات الزملاء في منتدى الدستور لاجلاس شخصية مسيحية على طاولة الحوار لاعتراضه على ممثل كنَسي , ومن يسترجع تاريخ الحروب الدينية بين الفرق المسيحية لوجد ضحاياها اعلى من ضحايا الحروب العالمية , وتاريخ الحروب بين الفرق الاسلامية معروف وثمة استنساخ له من جديد .
حوار الاديان خطوة تتقدم للاسف , على حوار اكثر ضرورة واكثر حاجة للمجتمع وهو حوار الفِرق الدينية داخل الدين الواحد , لأن العنف ومشتقاته ناتج من نواتج هذه الاختلاف , وكثيرا ما رأينا وسنرى اصطفافات مذهبية تطغى على اصطفافات الوطن الواحد والامة الواحدة مما يتسبب في فرقة وطنية تفضي بالعادة الى حرب اهلية يكون ضحاياها اعلى من ضحايا الحروب الخارجية , مقرونا ذلك بالسعي لتوفير مرجعية واحدة للفتوى , فأصل الداء في تعدد الفَتاوى وعدم ضبطها في مرجعية واحدة , مما اسهم في انتصار التأويل على التفكير وتسلّحت كل فرقة بفتوى تؤهلها لقتل الاخر وتكفيره , وكأن مفهوم الاغيار عند اتباع الديانة اليهودية بات المرجع السائد لتصنيف الفرق داخل الدين الواحد وهذا قد يفسر نجاة الكيان الاسرائيلي الصهيوني من عمليات القاعدة ومشتقاتها .
ندوة منتدى الدستور ما كانت لتحدث الا في عمان التي تعرف التسامح ومؤهلة لتطويره وانتاج معارفه وثقافته , من رسالة عمان الى محاولات التقريب بين المذاهب , فشرعية القيادة ومشروعية السلوك السياسي المعتدل تؤهل عمان اكثر من غيرها للقيام بهذا الامر والتصدي له ,مسنودة بجمهرة من العلماء من اتباع الديانتين ممن ترّبوا في مدرسة السماحة والتسامح , ولربما يكون الشاهد بسيطا عن بعض الفرق الا انه عظيم الدلالة عن تأهيل عمان للعب هذا الدور , فقد حان وقت صلاة المغرب بعيد انتهاء المنتدى في الدستور , فقام الى الصلاة ثلاثة يختلفون في المنهج “ وزير الاوقاف “ هايل داود ومنظر مبادرة زمزم رحيل الغرايبة وعضو مجلس شورى جماعة الاخوان المسلمين عزام الهنيدي “ وأم ّ الهنيدي الصلاة رغم التباين السياسي بين ثلاثتهم , وهذه سماحة يحسدنا عليها كثيرون ففي دول اخرى يتبادل الثلاثة النيران على بعضهم بعضا .
(الدستور)