جرائم الحرب وجرائم التعذيب!
طارق مصاروة
16-05-2014 02:42 AM
لا يمكن الهروب من جرائم الحروب مهما طالت سنوات النسيان. وخاصة في زمن الأمم المتحدة، والمحاكم الادارية، والرأي العام المعني بقيم التحضر الانساني!!.
في المشهد العراقي، تعود محكمة جرائم الحرب في هولندا كل مرة الى تعذيب الاسرى والسجناء، على يد جيوش الحلفاء، وخاصة الجيش البريطاني لا لأنه ينفرد بهذه الجريمة، وانما لان الولايات المتحدة ليست من الدول الموقعة على وثائق المحكمة!!.
المحققة «فتوى بن سودة» كانت تقول يوم الاثنين الفائت بعد اجتماعها بمجلس الامن في قضايا تخص ليبيا، انها تملك الآن معلومات اكبر واشد تفصيلا بشأن تعذيب العراقيين اكثر من المعلومات التي قدمتها عام 2006.
ففي كانون الثاني الفائت قدمت منظمة مقيمة في المانيا لحقوق الانسان، وأحد مكاتب المحاماة البريطانية تحقيقاً اولياً يشتمل على 250 صفحة لجرائم تدعي فيها بأن 400 عراقي عذبوا تعذيبا شديدا وممنهجا على يد القوات البريطانية. وافردت منهم 85 سجيناً قدمتهم كنماذج مستكملة لكافة متطلبات القضية!!.
طبعاً الحكومة البريطانية على لسان المدعي العام البريطاني نفت ان يكون هناك تعذيب ممنهج وذلك باستعادة الصورة التقليدية للجيش البريطاني الذي يعتبر احد افضل جيوش العالم في ادائه اثناء الحروب!!. ولكن المدعي العام لا ينفي ان هناك امكانية لتصرفات فردية!!.
حتى الان هذا الجهد الذي تبذله مؤسسات مدنية، وافراد متطوعة، يبقى دوره محدودا في التهويم على الجريمة الكبرى: جريمة العدوان الاميركي والغربي على العراق. فالسيدة بن سودة تعترف انه لا يوجد بيدها كمحققة في المحكمة تكليف من مجلس الامن بالتحقيق في اية جريمة من جرائم الحرب، فتعذيب الاسرى والسجناء هي اقلها. ثم ان الولايات المتحدة لم توقع على ميثاق المحكمة، وبالتالي فان الافراد العسكريين والمدنيين الاميركيين ليسوا مشمولين باجراءات التحقيق.. الا اذا تم تكليف المحكمة بموجب قرار من مجلس الامن كقضية اغتيال الرئيس اللبناني رفيق الحريري. أو غيرها من القضايا!!.
نحب ان نذكر هنا بمحاولتنا اجراء محاكمة لما جرى في العراق عام 1994 في مدريد، حيث كان المستشار السابق ويلي براندت سيرأس المحكمة لولا جبنه في مواجهة الضغوط الأميركية، فترأس المحكمة الرئيس الراحل احمد بن بلّه. ومثل الادعاء العام في هذه المحكمة المدعي العام الاميركي الاسبق رمزي كلارك.
وقد اصدرت هذه المحكمة – وقد شهدناها حكمها بادانة الذين صمموا، وقادوا، وباشروا العدوان على العراق. وقد توقفنا طويلا امام شهادة النمساوي البروفسور جيورج عن تأثير قنابل المدافع والدبابات التي يدخل فيها اليورانيوم المنضّب على اطفال العراق من الناحية الصحية، وشهادة استاذة طب الاطفال الالمانية المتزوجة من الاردني كمال فاخوري عن متابعتها لسنوات ثلاث لحالات السرطان والتشوهات الخلقية التي اصابت اطفال جنوب العراق!!. وقد نجحت الولايات المتحدة والحلف الاطلسي في التعتيم على كل الاثباتات التي قدمت، وعلى المحكمة بالذات اذ لم تستطع اية صحيفة اسبانية ذكر وجود المحكمة في العاصمة الاسبانية.. مجرد الذكر في سطر واحد!!.
ان الكلام عن تعذيب سجناء واسرى عراقيين هو ابسط واخف الجرائم:
- فماذا نسمي تدمير معامل الكهرباء، ومياه الشرب، والاتصالات والجسور، ومصانع حليب الاطفال، ومطاحن القمح؟!.
- وماذا نسمي حلَّ الجيش العراقي وقوى الأمن وحل وزارة الداخلية، والمحاكم وكل ما له بالدولة في شكلها الحديث؟
- وماذا نسمي افلات مجرمي السجون، وحملة السلاح القادمين من وراء الحدود على شعب اعزل مهدد بالجوع والمرض؟!.
.. وأخيراً، فمحكمة التاريخ لا تحتمل القاضي الذي يملك آلات القتل والدمار.. ولكنها المحكمة المقامة في الضمير الإنساني. وفي أخلاق الشعوب المتحضرة!!.
(الرأي)