الدورة الاستثنائية المقبلة لمجلس النواب، ستكون استثنائية أيضا في أهميتها. فبعد صدور الإرادة الملكية بالموافقة على النظام الداخلي الجديد المعدل لمجلس النواب، يُفترض تطبيق الآلية الجديدة المقررة لنقاش القوانين في هذه الدورة. ولما كان عمل الدورة محصورا كليا في مناقشة القوانين المدرجة على جدول أعمالها، فإنها ستكون بمثابة مختبر لفحص آلية العمل الجديدة، وجدواها وفعاليتها.
للتذكير، فإن نقاش القوانين تحت القبة كان مفتوحا، بحيث يحق للجميع أن يداخل ويقترح ما يشاء بشأن كل بند في لحظة النقاش؛ فتكون معظم المداخلات مجرد سباق على المايكروفون والصورة، والاقتراحات فردية وليدة لحظتها. ولما كان رئيس المجلس لا يستطيع إعطاء الكلام لجميع الراغبين، فقد كانت تظهر الانتقائية أو العشوائية في إعطاء حق الكلام، وربما تضيع مداخلات مهمة تنطوي على إضاءات أو مقترحات لا تأخذ فرصتها؛ والعكس صحيح. وأيضا، كانت تتاح الفرصة للمناورات التي توجه التصويت بقطع الطريق على النقاش، أو تطويق المداخلات غير المرغوبة، وتوسيع المجال للمداخلات المرغوبة. وأحيانا، تتكاثر المقترحات لتصل إلى العشرات، فيفقد الأعضاء القدرة على التركيز، وسط فوضى تؤدي إلى فوز مقترحات قد لا تكون هي الأصح. هذا في الوقت نفسه الذي ينعدم فيه الاهتمام بالنقاش داخل اللجان، التي يُفترض أن تكون المطبخ الذي يتم فيه بتروٍ وتعمقٍ بحث القانون. وتعاني اللجان التي لم تتشكل أصلا على أساس الاختصاص والاهتمام، من الغياب وفقدان النصاب؛ فهناك جهد الجنود المجهولين الذي لا يظهر في الإعلام.
بالمناسبة، كنا ناضلنا من أجل هذا الإصلاح في البرلمان السادس عشر، إنما من دون جدوى. وتمكنا في الدورة العادية الأولى من هذا البرلمان، السابع عشر، من إقرار النظام الداخلي الجديد، لكن الأغلبية رفضت التعديلات على آلية النقاش للقوانين تحت القبة. إذ نجح البعض في تخويف النواب من أن هذه الآلية ستقيدهم وتلجم صوتهم. لكن أمام التجربة الملموسة من هدر الوقت أو النزاع الدائم على المايكروفون -حيث نبذل الكثير من الجهد، ونحصل على أقل مردود؛ وكذلك الظواهر غير المريحة بالتحول غير المنطقي لوتيرة النقاش من الإطالة الشديدة إلى الاختزال الزائد، بل والسلق- تعززت قناعة الأغلبية بوجوب التغيير. وهو ما حصل. وسنرى الآن بالتجربة ما إذا كنا على حق في هذا التغيير.
على جدول أعمال الدورة الاستثنائية قوانين مهمة جدا وطويلة. وبحسب آلية النقاش السابقة، فإن قانونا واحدا مثل قانون ضريبة الدخل، يمكن أن يأخذ كل وقت الدورة ولا يُنجَز. بينما الآن سنختزل كثيرا من الوقت، لكن دون سلق. فالنواب يجب أن يحضّروا درسهم مسبقا؛ ونفترض أن تقوم الكتل بعقد لقاءات خاصة بها تسبق الجلسة العامة، لنقاش القانون وتبادل الرأي وتنوير أعضائها بعضهم بعضا لبلورة أفكار ومقترحات، فيكون الحق بالكلام تحت القبة فقط لمن يطرح مقترحا بديلا، لشرح مقترحه والدفاع عنه، قبل الذهاب إلى التصويت على البند المعني.
إن الآلية الجديدة للنقاش تحت القبة، تستوجب مصاحبتها بآلية جديدة للعمل خارج القبة. فالكتل، في العادة، لا تطرح أصلا على جدول أعمالها ولا تجتمع من أجل بحث القوانين، وهذا خطأ كبير؛ فما وظيفة الكتل إن لم تكن الإطار الجماعي لبحث القوانين قبل وصولها تحت القبة؟ والحق أن تغييرا آخر يجب أن يحدث في تركيب اللجان، بحيث تمثل كل لجنة بصورة دقيقة جميع الكتل، فيصبح عضو اللجنة هو ممثل الكتلة فيها؛ واجبه الحضور والمشاركة لتمثيل رأي زملائه فيها. وهذا ما يجب أن يحدث مع بدء الدورة العادية المقبلة عندما يعاد تشكيل اللجان.
(الغد)