الواسطة والتعليم العالي .. إسراء مجاهد المحيسن*
15-05-2014 04:40 AM
شهد التعليم العالي في الأردن تحسناً ملموساً منذ منتصف القرن العشرين، وكان له دورٌ كبير في تغيير الأردن نحو الأفضل. لكنّه مؤخراً أصبح يتراجع بسبب الفساد الذي حلّ في المجتمع ومن أهم ظواهره التي تفشت بشكل متزايد "الواسطة"، التي كان لها تأثيرُ كبير في تردّي مرحلة التعليم العالي. سيبحث هذا المقال بعض الآثار السلبيّة للواسطة على جودة التعليم العالي في الجامعات الأردنيّة.
يعدّ تعيين المدرس الجامعيّ غير الكفوء في مختلف مؤسسات التعليم العالي من أهم أشكال "الواسطة" المؤثّرة على جودة التعليم. فيتم تعيين مدرس لا يمتلك مؤهلات تطابق معايير الشاغر المطلوب، ويتم تفضيله على شخص آخر يمتلك تلك المعايير لأجل مصالح شخصيّة. بذلك يتم ضمه كعضو هيئة تدريس يفتقد الكفاءة، فهو لا يستطيع أن يوصل رسالة العلم السامية إلى الطلبة بشكل جيد، فينتج جيلاً من الخريجين يفتقر إلى العلم. ناهيك عن عدم قدرته على التطوير في البحث العلميّ، فهو لا يملك القدر الكافي من المعرفة التي تمكنّه من كتابة الأبحاث، فيستخدم واسطات عديدة من الأشخاص لكي يبقى في عمله في الجامعة، وإذا كتب بحثاً معيناً فيستخدم واسطات من النوع الماديّ (رشوة) ليتم نشره. بالإضافة إلى عدم قدرته على الإدارة، فإذا تمّ تعيينه في منصب معين كرئاسة قسم ما بالواسطة فستحدث عداوات بينه وبين زملائه المتميزين لعدم وجود ما يؤهله لإدارة ذلك القسم، وبالتالي لن يستطيع أن يرتقي به نحو الأفضل.
علاوة على ذلك واسطة الطالب، وهي من أكثر المؤثرات السلبية انتشاراً على جودة التعليم، فيحضر الطالب العديد من الواسطات للمدرس لكي يجتاز المساق أو ليحصل على علامة ممتازة فيه، ولا يتوقف ذلك على مساقٍ واحد فقط، بل يتوالى استخدام ذلك الأسلوب حتى يتخرج الطالب من الجامعة. ممّا يؤدي إلى إهماله لدراسته، فعندما يستعمل تلك الوسيلة يتغيب عن المحاضرات ولا يبذل أيّ جهد في دراسة المادة، ويشتري بدلاً من ذلك أسئلة المساق السابقة من المكتبات المتواجدة مقابل الجامعة، وبالتالي لا يحصل على أي قدرٍ من المعلومات عند تخرجه ممّا يؤدّي إلى تراجع التعليم في الجامعات الأردنيّة. كما أنّ ذلك يؤثر على سوق العمل، فمخرجات التعليم العالي غير قادرة على رفده بالكوادر البشرية الملائمة.
كما أنّ للواسطة المادية أو ما يقال لها في العادة "الرشوة" أثراً في تراجع جودة التعليم العالي في الجامعات الأردنيّة، لكن للأسف فإنّ البعض ينظر إليها من المنظور الاجتماعي فقط. ومن الأمثلة على ذلك استخدام الطالب الرشوة للانتساب إلى جامعة ما أو تقديمها لمراقبي الامتحانات لكي يسمحوا له بالغش والنجاح. كما أنها تتعدّى الطالب وتصل إلى الإداريين، فينهب الإداريّ المخصصات الماليّة للأبنية أو المشاريع التعليميّة من خلال تخصيص الأموال الطائلة لمشاريع أخرى بسيطة لا داعٍ لها، وسرقة تلك الأموال بدلاً من إنشاء المختبرات والمكتبات لكي يستفيد منها الطلبة وليرتقي التعليم في الجامعات، ومن أجل التستر على أفعاله يعطي من حوله نسبتهم من تلك العملية الإجراميّة لتكتّمهم على الموضوع.
تفشت تلك الظاهرة في المجتمع الأردنيّ حتى وصلت إلى جامعاتنا الأردنيّة، فأصبح كل فرد في الجامعة سواء أكان طالباً أومدرّساً أو إداريّاً يلجأ إليها ليلبي حاجاته الخاصة. ممّا كان له الأثّر السيء على جودة التعليم العالي في الأردن بشكل كبير فأصبح يتراجع شيئاً فشيئا. لذلك علينا أن نقاوم هذه الظاهرة السّلبيّة لأجل حماية التعليم الذي لطالما كنّا نفتخر به.
* طالبة ماجستير /تخصص ترجمة في جامعة اليرموك