الحفلة التنكرية في نهايتها!!
خيري منصور
14-05-2014 04:09 AM
أسمع أحياناً من بعض القراء الأعزاء أن السياسة أتت على كل شيء، بل أفسدت كل شيء، وأصبحت الكتابة كلها مكرسة لها ولكواليسها وأحياناً لاسطبلاتها بكل ما تعج به من روث!
ولهؤلاء الحق كله وليس بعض الحق، فالهروب الى السياسة في كل المعالجات سببه الجهل بالقارات الأخرى من المعرفة لأن أسباب التخلف سايكولوجية واجتماعية وتربوية وثقافية، وما السياسة سوى المحصلة!
ولأن كلمة السياسة اتسعت وفاضت حتى شملت كل ما له صلة بالنميمة والمكائد، والاستعداء والوشاية فقد أصبحت تحتل كل ما يرمي اليها.
رغم أنها بالفعل ليست كذلك، انها ببساطة علم تغيير المجتمع وفقه تحولاته اضافة الى دورها في تنظيم أعقد العلاقات البشرية وهي علاقة الحاكم بالمحكوم!
وما يتصوره البعض سياسة قد يكون من ملكوت آخر خصوصاً وأن مفردة السياسة في لغتنا سيئة الحظ من حيث اشتقاقها فالسائس في نهاية المطاف ليس سياسياً لأنه يسوس خيولاً وليس بشراً لهم مطالب وأحلام وكوابيس.
وهناك نكتة سوداء سمعت بعض الأصدقاء يتداولونها في مصر حول سجين أخلاقي اغتصب طفلاً، وطلب ادراجه في خانة المعتقلين السياسيين لأنه سايس الضحية أي جاءها بالسياسة وليس بالعنف!
ان ندرة ما يكتب حول جذور التخلف سببه ندرة أخرى في عدد الناس الذين لهم صلة بعلوم مثل الانثربولوجيا وعلمي النفس والاجتماعي، لهذا تقدم لنا بعض الكتابات السياسية عيّنات نموذجية من تخلف يخفي قبحه تحت قناع!
وذات يوم وبالتحديد في اربعينيات القرن الماضي رصد الروائي جورج أورويل معظم ما يكتب بالانجليزية من نثر سياسي، وقال عنه عبارة نتحرج من ذكرها لأنها متعلقة بالخنازير وافرازاتها الكريهة.
ولو قام باحث عربي اليوم بتجربة مماثلة لذهب الى أبعد مما ذهب اليه أورويل، لأن المصارعة الآن ليست حرة فقط بل بلا حكام ولا مشاهدين.
وبامكان الهواة اعادة النظر في كروية الأرض ودورانها وفي كل ما كتبه أرسطو دون أي استهجان أو اعتراض، لكن هذه الحفلة التنكرية لن تدوم طويلاً، وقد مرّ التاريخ بمثلها، لكنه سرعان ما استعاد رشده.
وكما أن اللصوص يكرهون الضوء سواء كان من القمر أو الكهرباء لأن أيديهم تستطيل في الظلام فإن هناك أيضاً من الأشباه من تستطيل أقلامهم كلما ارتفعت نسبة الأميّة.
ولا نشك لحظة في أن هذه الفترة الأشبه بجملة معترضة في كتاب التاريخ تقترب الآن من نهايتها!!
(الدستور)