قبل أسابيع قليلة، رحل الروائي غابرييل غارسيا ماركيز، وربما للمصادفة المحضة يتناسب نحت العنوان في المقال مع عنوان رواية ماركيز. لكن الأحداث في رواية ماركيز "الحب في زمن الكوليرا"، تختلف عنها في موضوعة الكورونا.
فالرواية تتناول قصة شاب في مقتبل العمر، لا يتمتع بقدر كبير من الوسامة "فلورنتينو اريثا"، والذي يقع في حب الطالبة "فرمينا اديث"، ويتبادلان رسائل الغرام، وتضبط إحدى الراهبات رسالة حب من الشاب وتطرد الطالبة على أساسها من المدرسة الدينية، كما يرفض والدها التاجر هذا الحب لأنه يأمل لابنته بعريس من طبقة برجوازية تتناسب وموقعه كتاجر، فيرحل بها إلى إحدى المدن البعيدة، من دون أن يعرف أن ابنته ما تزال على تواصل مع حبيبها عبر التلغراف.
وبعد مرور 3 سنوات على حبهما عن طريق الرسائل، تمرض الحبيبة فرمينا مرضا يشبه أعراض مرض الكوليرا، ويأتي والدها بأبرع طبيب موجود لمعاينتها. والطبيب الذي فحصها شاب وسيم درس في أوروبا. ويتضح فيما بعد أنها لم تصب بمرض الكوليرا، ويتزوجها الطبيب الوسيم. لكن نهاية الرواية وبعد سردية طويلة من الحب والحزن والأمل، أن يعود العاشقان لبعضهما وينهي ماركيز روايته والسفينة تعبر النهر رافعة علم الوباء الأصفر، من دون أن ترسو فيما تضم خدر الحبيبين اللذين لا يباليان بكبر عمرهما، ويوصلنا إلى نتيجة أنهما في وضع يسمح لهما بالوصول إلى مرحلة ما بعد الحب، وهي الحب لذات الحب!
المقاربة بين المرضين، الكوليرا والكورونا، قد تبدو مختلفة كليا، وكذلك المقاربة بين قصة حب "فرمينا" و"فلورنتينو اريثا"، وتوظيفها في نص تبدو كذلك شبه مستحيلة. ولكن خلق فرصة لإعادة تحرير المكبوت في صراع الطبقات، هو حقيقة لا يمكن القفز فوقها. وليس هنا مجال العشق والغرام الذي صوره ماركيز، بقدر ما هي مسؤولية الدولة والمجتمع للحد من انتشار هذا المرض الخطير. فلماذا تبقى الحدود مشرعة لناقلي الأمراض من دون اتخاذ الإجراءات الوقائية الكافية، خصوصا أن التقارير الطبية تقول إن "الكورونا" خرج عن سيطرة الأطباء ومسؤولي الصحة العامة في السعودية؟ وهل ستعيد الحكومة حساباتها وتتخذ قرارا جريئا بمنع السفر لأداء العمرة والحج لمنع انتشار العدوى أكثر، خصوصا أن حالات الإصابات في الأردن يمكن السيطرة عليها في حال تم اتخاذ قرار قطعي بمنع السفر، وإجراء الفحوصات الدقيقة للقادمين إلى الأردن، فكما هو معلوم عرفاً "أن درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج"؟
وأجاز الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق إلغاء موسم الحج والعمرة هذا العام، نظرا لانتشار فيروس "كورونا"، مستندًا إلى قاعدة "لا ضرر ولا ضرار"، مشيرا إلى أن ذلك فى حالة وصول المرض إلى حد الوباء "جائز جدا". ويضيف أن حفظ النفس من مقاصد الشريعة الإسلامية، مستندا إلى قول الله تعالى: "وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُم إلَى التَّهْلُكَة".
فهل نحب الله لذات الله ونتعظ ويعلق موسم الحج؟
(الغد)