شومان .. وزارة الثقافة هل من مقارنة؟
اسعد العزوني
12-05-2014 05:38 PM
لا تقاس الوظيفة بمسماها،بل بالدور الذي يلعبه حاملها، لأن ذلك يحسم الموقف والنقاش ،أي نقاش كان يتعلق بهذه المسألة،وكم من حامل إسم وظيفة أنجز المطلوب منه ،وأبهر المراقبين والمعنيين ،وكم من حامل إسم وظيفة ، سجل فشلا ذريعا في أدائه ولم يتمكن من حمل الأمانة المناطة به ،والرسالة المكلف بحملها.
أقول هذا الكلام وأنا أراقب أداء مؤسستين وطنيتين ،أنيط بهما تفعيل المشهد الثقافي في الأردن ونقل الثقافة في الأردن ،إلى مرتبة عليا تليق بالوطن ومعزته عند أبنائه،وبالتالي تعظيم ثقافة الأمة بأسرها.
هاتان المؤسستان هما :مؤسسة عبد الحميد شومان،وهي بالمناسبة منظمة مجتمع مدني غير ربحية ،لكنها تمارس دورا يليق بها ،والمؤسسة الثانية هي وزارة الثقافة ،تلك المؤسسة الرسمية المكلفة أصلا بتعظيم الثقافة الأردنية،وإعلاء شأن المثقفين الأردنيين ،والعمل على حمايتهم ،وجلب الكثير من المكتسبات لهم،لأن عزة المثقف من عزة الوطن ،والمثقف الملتزم كما هو معروف ،هو الجندي المحارب المنافح عن كرامة الوطن ،وهو الذي يخلده.
لكن المشهد الذي أتحدث عنه في الأردن ،يعتريه التناقض الصارخ الذي يرقى إلى حد الحيرة والتيه،فوزارة الثقافة التي تحدثنا عنها وعن الدور المناط بها ،قد إنسحبت وبكل الصراحة المعهودة ،من دورها الذي كلفها به قائد الوطن جلالة الملك عبد الله الثاني من خلال الولاية الممنوحة لها ،ولم تعد معنية بالشأن الثقافي الأردني ،وحرقت المسافات بينها وبين المثقف الأردني ،لتدعه في مهب الريح،وتعريه في مرحلة هو بأمس الحاجة لمن يأخذ بيده كي يواصل إبداعه وحماية وطنه.
هذه الكلمات القاسية ليست تحاملا على أحد ،ولا هي تجنيا على دور ،فأنا لست من الذين يزاحمون أحدا على شيء،ولست طامحا لمنصب،ولم أجترحها من عندياتي ،بل هي لسان حال غالبية المثقفين الأردنيين والعديد من موظفي وزارة الثقافة ذاتها ،الذين يتندرون على الكثير من الممارسات التي تحدث في وزارتهم ،وكم من مسؤول في الوزارة جرى تهميشه ومحاربته .
أظهرت وزارة الثقافة هذا العام كافة نواياها التي تسمم الثقافة وتقتلها،فهي وحتى يومنا هذا لم تقم بدعم النشر كما جرت العادة كل عام،ولم تقم بشراء كتب من المؤلفين،وقامت بتجميد لجنة كتاب تاريخ الأردن، كما نرى تعثر المخيمات الإبداعية،وتعثر مشروع مكتبة الأسرة،وتجميد الإبداع ومنع التفرغ الإبداعي،كما أنها أعلنت الحرب الضروس على رابطة الكتاب الأردنيين التي تعد ضمير الوطن ، ناهيك عن إنعدام مشاركة وزارة الثقافة في النشاطات الخارجية ،وما هو واضح،أن وزارة الثقافة قد قلصت دورها وقزمته ،إلى حالة واحدة وهي أن مبناها فقط هو الذي بات يحمل إسمها،أي أنها إنسحبت من المشهد الثقافي الأردني ،دون مبرر منطقي ،لأنه لا يجوز أن يقال أن الوزارة لا تملك المخصصات اللازمة ؟!
المشهد الآخر المضيء في سماء الثقافة الأردنية حد التلألؤ ،والتي يستحق بحق أن ننحني له إحتراما وتقديرا ،هو ما تقوم به مؤسسة عبد الحميد شومان ،هذه المؤسسة الثقافة التي تنتمي للأردن بالصورة الصحيحة ، وتعبد مسيرة الثقافة في الأردن بأحرف من نور وذهب.
هذه المؤسسة تقوم بدور كبير جدا ،وتستحق الجائزة الكبرى وحتى الكنز،لأنها مارست دورها الطوعي بكل محبة وإختارم وتقدير لهذا الوطن ،ولم تنسحب من دورها الطوعي هذا ،بحجة الأزمات المالية ،مع أنها كما أسلفت تقوم بدور طوعي ،ولولا الإنتماء والولاء الصادقين لهذا الوطن وقيادته ،لما إستمرت في عملها المشرف الذي نفتخر به ونجله.
مؤسسة عبد الحميد شومان ممثلة بكافة موظفيها وإدارتها الداخلية النشيطة ،وإدارة البنك العربي الذي يمولها ،وتوجهها للسير قدما في خدمة الثقافة الأردنية ،تقوم بدور عجزت عنه وزارة الثقافة التي هي صاحبة الولاية الثقافية،وهي مؤسسة تمارس كل أوجه النشاط الثقافي من فنون وأدب ومكتبة معرفية ضخمة ،ومكتبة أطفال ،وقاعة ندوات ومحاضرات تستضيف فيها أسبوعيا ،شخصية محلية أو إقليمة او دولية ،لمناقشة القضايا الساخنة،وهي بذلك تضع إسم الأردن على خارطة النجوم .
آخر فعاليات مؤسسة شومان بالتعاون مع عدد من مؤسسات المجتمع المحلي ،كانت أسبوعا ثقافيا ولا أروع ،تضمن حفل إفتتاح مبهر يوم الخميس الماضي ، عزفت فيه أضخم فرقة عالمية وأبهرت الحضور ،تلاه يوم السبت معرض للكتاب ،ومهرجانات فنية شاملة تهم الصغار والكبار في سوق جارة بمنطقة جبل عمان،وكان شعار الأسبوع :"نحو مجتمع الثقافة والإبداع".
أكرر خاتما ،أن الوظيفة لا تقاس بالمسمى ،بل بالدور الذي يلعبه حامل اللقب ،وعلى المعنيين أن يتذكروا أن الثقافة هوية ،ومن يهمل ثقافته ،أضاع هويته.