في الكلمة الترحيبية لمحافظ البنك المركزي الأردني د. زياد فريز، خلال المؤتمر الذي تنظمه الحكومة والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي وصندوق النقد الدولي، كانت هناك إشارات جديدة تدلل على عدم ضرورة اكتفاء الأردن ببرامج الصندوق الدولي، والأثر الكمي لبرامج الإصلاح المطبقة مع الأخير، بل تخطيها والعمل على تطوير جوانب أخرى من الاقتصاد، تأخذ بعين الاعتبار الوجه الإنساني له، لا باعتباره (الاقتصاد) أرقاما ومعادلات لا تمت لأغلبية المجتمع بصلة.

بمعنى آخر، فإن مؤشرات الأداء الصماء التي تُعتمد في برامج الإصلاح الاقتصادي من قبل صندوق النقد الدولي والحكومات، باتت بحاجة إلى تطوير، وإضافة الأبعاد الأخرى لتطبيق تلك البرامج على مختلف شرائح المجتمع، وخاصة الفقراء، لأن تطبيق الإصلاحات الاقتصادية بحيث تؤثر (إيجاباً) في الفئة الأغنى من المجتمع وتنسى الفئات الفقيرة، قد يؤدي إلى نتائج معاكسة لتلك المرجوة في دول المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، يدرك صندوق النقد الدولي جيدا أن التحولات السياسية التي جرت في البلدان العربية تدفعه إلى تبني استراتيجيات جديدة، وهو ما أدى فعلاً بالصندوق إلى العمل بطريقة أكثر انفتاحاً وشفافية مع المجتمعات. ففكرة العمل السري، ونشر معلومات بالقدر الذي يحتم نفسه، كما كان يفعل الصندوق سابقا، لم تعد صالحة في القرن الحادي والعشرين، حيث يطالب الجميع، وتحديداً في الشرق الأوسط، بأن يتشارك معهم المسؤولون والعاملون في الاقتصاد المزيد من المعلومات والتفاصيل حول الصفقات التي تبرم مع الحكومات.

وبالعودة إلى ما تطرق له المحافظ -الذي يمتلك الخبرة في برامج الإصلاح، عهدها وعاصرها بعد انهيار الدينار في العام 1989، وما تلاها من تطبيقات- فإن من المعروف أن الإصلاحات الاقتصادية لها ثمن يدفعه المواطنون، لاسيما وأن زيادة الإيرادات والاستمرار بتلك الإجراءات التقليدية، يضعف جانب الطلب. وكما يقول د. فريز: "إن مواجهة التحديات السابقة تتطلب قيام دول المنطقة بإصلاحات تتجاوز سياسات الطلب إلى إصلاحات هيكلية، تركز على جانب العرض الكلي، ويتحقق معها النمو الاقتصادي الشامل".

بمعنى أنه يجب علينا تجاوز مرحلة محاولة رفع الإيرادات عن طريق زيادة الضرائب وإلغاء الدعم وغيرها من الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الحكومة في وقت مشابه لهذا، وشروع العاملين في القطاع المالي، في المقابل، بإصلاحات تتعامل مع المشكلة من جذورها.

كذلك، فإن انعقاد المؤتمر في الأردن، وقيام مدير عام صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد بزيارة مخيم الزعتري، هما بمثابة رسالة بصورة جديدة للصندوق، لاسيما وأن لاغارد صرحت بمطالبتها بضرورة دعم الدول المستضيفة للاجئين، لما تعانيه من ضغوطات، كما هي حال الأردن الذي يخضع لبرنامج إصلاح اقتصادي سيستمر حتى العام 2015.

ما هو مطلوب أيضا من الصندوق الدولي أن يراعي بشكل أكثر في مراجعاته لأداء الاقتصاد الوطني، الظروف التي يعانيها المجتمع الأردني جراء استضافة اللاجئين السوريين، وزيادة الإنفاق الحكومي على التعليم والصحة. وبالتالي مراعاة تلك الأمور في المؤشرات الكلية، حتى لا يصار إلى مزيد من إضعاف الطلب بفعل فرض مزيد من الضرائب.

إذن، الجميع بات مدركا بأن الوضع الراهن يتطلب "ثورة بيضاء" في آليات التعامل مع الإصلاحات الاقتصادية، بشكل يسهم في تحقيق النمو الشامل. فالآليات السابقة باتت بالية، والتعامل مع الواقع الجديد لتحقيق النمو الشامل يتطلب ظهور آليات جديدة تتعامل مع الهيكلة التي سببت المشاكل، لا مع الأعراض وحسب.

الغد