لو تأملنا القاعدة المنطقية القائلة ان فاقد الشيء لا يعطيه ولن يعطيه، فإن أمورا عديدة تصبح قابلة للفهم وتبطل العجب، فالانسان المحروم من أي حنان لا يتوقع منه أن يغدق من عواطفه على الآخرين، فالمدين ليس دائناً بأية حال، ومن لم يستمرىء يوماً نجاحه ولم يجد يداً تربت على كتفه لن يفعل ذلك مع سواه.
انها حكاية عبدالمعين المعروفة، والتي تتجلى يومياً في كل تفاصيل حياتنا، وما التقشف العاطفي الذي يؤدي الحرمانات المتبادلة الا من افراز ثقافة منزوعة القلب والروح، لكن المجتمعات التي تعاني من هذه الأحوال لا تبادر الى المعالجة، بل تتوغل في العزلات الموحشة، وبالتالي يتفاقم الداء!
لقد انتجت هذه الثقافة علاقات تشكو من جملة أمراض، ليس أقلها الاصرار على التجاهل، والتعامي عما لدى الآخرين، وبدلاً من المبادرة في التعبير عن العاطفة يجري قمعها وحجبها، وما يتم تجاهله يكون النظر اليه أشبه بالتلصص!
وما كتب عن الذات المقهورة أو الجريحة بتعبير عالم النفس د. علي زيعور يقدم تشخصيات دقيقة لما نحن عليه، والأهم من تلك التشخيصات البحث عن الاسباب العميقة، الموروثة وشبه المقدسة، فمن يتلقون تربية مفعمة بالريبة والحذر يرون في الناس جميعاً اعداء أو مشاريع أعداء، لهذا يكون الافراط في القسم سواء بالدين أو الشرف أو الأبناء، فالصدق استثنائي وقد يكرس القاعدة السوداء لهذا تصبح عبارات بسيطة من طراز تلك التي أراد مانديلا وضعها على شاهدة قبره غير قابلة للتصديق، وهي: هنا يرقد رجل حاول القيام بواجبه.
وحين تكثر الالقاب والنعوت يكون هناك خلل ما حتى في معايير الاحتكام والتقويم، واحيانا يحدث ان شخصيات من خارج عالمنا تعلن استغرابها وهي تسمع الالقاب والاوصاف التي تلصق بها، وهذا بالفعل ما حدث مع جان بول سارتر حين زار مصر يومها قدمه احدهم تحت جملة من الالقاب تبدأ بالفيلسوف ولا تنتهي بالاديب، مما اضطره الى الاستغاثة بمرافقه فقال له مداعباً تعال واحمل عني بعض هذه الالقاب التي أنوء بحملها.
وقد انتقلت عدوى الريبة وأزمة الثقة المتبادلة من الحياة الاجتماعية الى السياسة، والوطن العربي عاش فترة من أزمة الثقة حرمته من التعامل بجدية مع كل ما يسمع، وكان المثل الشائع هو أن الكلام بالمجان رغم أنه الآن من أثمن السلع بعد أن تولى الهاتف الخلوي تصنيعه!
إن فاقدي الأشياء لن يعطوها حتى لأنفسهم!
الدستور