ما يراه العالم ولا ندركه نحن!
جمانة غنيمات
11-05-2014 03:07 PM
نهاية الأسبوع الماضي، انعقد في عمان المؤتمر السنوي لصحيفة "فايننشال تايمز"، تحت عنوان "الاستثمار في المشرق العربي: الفرص الجديدة". واليوم، في عمان أيضاً، يعقد صندوق النقد الدولي مؤتمرا موسعا تشارك فيه عشرات الدول، تحت عنوان "بناء المستقبل: الوظائف والنمو والمساواة في العالم العربي".
اختيار الأردن من قبل إدارتي الصحيفة والصندوق، ليس قرارا عشوائيا، وإنما يرتبط بشكل وثيق بالصورة التي يرانا عليها العالم؛ بلدا آمنا ومستقرا، لم يعرف أبدا الدماء التي تسيل في كثير من دول الجوار، فاستطاع بذلك أن يحدث اختلافا في مشهد الإقليم الملتهب.
مئات الشخصيات الأممية وكبار مستثمرين جاؤوا إلى الأردن، لأنهم يرون فيه حالة مختلفة، ربما لو استثمرتها الحكومات بشكل عملي وحقيقي، فإنها ستسهم في تغيير الواقع الاقتصادي الصعب، والذي بسببه لا يدرك الأردنيون الميزات المهمة التي تمتلكها بلادهم.
الفجوة الكبيرة بين ما يراه العالم في الأردن وبين ما لا يدركه الداخل، سببها مرتبط على الأغلب بفشل الحكومات في استثمار القيمة المضافة؛ وهي ثمينة في زمن الحروب والاقتتال، لتحقيق منجزات ملموسة، خصوصا ما يتعلق بجذب الاستثمار بدلا من "تطفيشه".
مؤتمر "فايننشال تايمز" حضرته شخصيات ومؤسسات تقدر ثرواتها ورؤوس أموالها بعشرات مليارات الدولارات. وعرضُ فرص استثمارية على هؤلاء سيدر كثيرا من الفوائد، شريطة أن نتخلص من العقلية البيروقراطية الرافضة للاستثمار.
العالم يرانا بخير، أما نحن، فلا! وهذا الشعور بحاجة إلى دراسة معمقة، تقدم إجابة شافية في تفسير الفجوة؛ ومن ثم السعي إلى جَسْرها قدر الإمكان، حتى يبلغ الأردن ما يستحقه، ويجني فوائد الأمن والأمان والاستقرار التي بدأ المجتمع لا يشعر بها بسبب ارتفاع مستوى الجريمة، وتكرر حالات الاعتداء.
قيمة الأمن والاستقرار التي يقدرها العالم كثيرا، بدأت تفقد بريقها عند الأردنيين، بسبب بعض الظواهر الغريبة عليهم، التي تلوح بين حين وآخر، وأهمها العنف الجامعي والمجتمعي، وأحد أسبابه، من دون أدنى شك، تراجع المستوى المعيشي بسبب ارتفاع الأسعار، واتساع مدى مشكلتي الفقر والبطالة.
في ظل هذه المفارقة العجيبة، يكون لزاماً على الحكومة الاستفادة من العنوان العريض الذي يطرحه صندوق النقد الدولي؛ لبناء مستقبل مختلف عما يتوقعه الناس. فالفكرة التي يطرحها "الصندوق" تلخص مشاكلنا الاقتصادية، وتفسر حالة القنوط المجتمعية؛ إذ إن ما نحتاجه حقيقة يتمثل في الوظائف والنمو والمساواة، وهو ما فشلت جميع الخطط في تحقيقه، أو حتى وضع وصفة للسير فعلاً نحوه.
ما يراه العالم بالتأكيد صحيح؛ فالوضع في الأردن لا يقارن بأي بلد آخر. بيد أن ما يحسه المواطن ويستشعره من قلق وخوف من المستقبل، هو أيضاً حقيقي وصادق. وبين هذا وذاك خسائر كبيرة لا تقدر بثمن. فالاستقرار لم يأتِ بجهود رسمية فقط، بل أيضاً بفضل مواطنين عضّوا على جوعهم وفقرهم، وآمالهم بالإصلاح، حتى يعبر الوطن "الربيع العربي" بأمان.
ما تحقق ليس نتاج سياسات رسمية فحسب، بل عقل مجتمعي أدرك مبكرا أنه لا يريد المصير الذي لقيه المواطن العربي في دول عربية أخرى. وبما أن الوضع القائم تحقق بجهود ووعي الجميع، فإن العدالة تقتضي أن يجني منافعه الجميع أيضا.
الغد.