على الرغم من الدور الكبير الذي لعبه الجيش المصري في الثورة المصرية، والذي سيلعبه مستقبلا، بغض النظر عن وصول المرشح ذي الخلفية العسكرية السيسي والذي لعب الدور الأهم في إنهاء حكم "الإخوان المسلمين"، ولكن هذا لا يعني وبكل المعايير إعادة إنتاج المؤسسة العسكرية في شكل سياسي خبره العالم العربي خلال العقود الماضية.
الثورة على الثورة كانت على طريقة الانقلابات العسكرية التي شهدها عالمنا العربي، البيان رقم واحد، ولكن هذا البيان الذي خرج به السيسي كان بياناً شعبياً تزاوج فيه حلم الشعب مع إرادة العسكر، ولكن هل من المفيد إعادة العسكر للسلطة؟ الجواب البديهي "نعم للعسكر".
ولكن لماذا العسكر؟ تاريخ الملكيات والجمهوريات والإمارات في المنطقة ارتبط بالمؤسسة العسكرية، وبقيت صاحبة القرار الأول والأخير، في صياغة شكل المجتمع، وربما يكون هذا الأمر مقبولا في مرحلة تاريخية محددة، ولكنه لا يصلح لهذه المرحلة ولن يصلح على الإطلاق في المستقبل.
من هذه الزاوية الوجدانية الشعبية العربية والمصرية، التي تعلق كثيراً على المؤسسة العسكرية ودورها السياسي، لا بد للشعب المصري والقوى السياسية والحزبية، بما فيها "حركة الإخوان المسلمين"، من مراجعة حساباتها والاصطفاف، إلى جانب مرشح القوى المدنية، حمدين صباحي الذي يعبر بطريقة أو بأخرى عن حلم التغيير العربي، نحو مؤسسة حكم مدنية الطابع تؤسس لمجتمع ديمقراطي، ولحياة سياسية واجتماعية مستقرة يكون عنوانها "السلطة للشعب كله" الشعب المكون من المهمشين والطبقات المسحوقة والوسطى والمثقفين والشباب الذين هم عصب المستقبل وقوى التغيير الحقيقي.
وفي حال حدوث عكس ذلك وبقي الوعي العام يرى أن فكرة الخلاص لا يمكن تمثلها إلا عبر مرشح المؤسسة العسكرية، فهذا يؤكد أننا "مجتمعات نيئة"، لا يكون فيها الشعب صاحب الإرادة على التغيير وهو الذي يحدد شكل مستقبله. إننا ما نزال نعيش طور مجتمعات ما قبل الدولة، وإننا لم ننتقل بعد من "الاجتماع السلطاني إلى الاجتماع المدني" ، وبذلك خسر كل الحالمين مثلنا بوجود دولة مدنية يحتكم لها الجميع ضمن عقد اجتماعي يحدد شكل العلاقة بين السلطة والمجتمع ويعطي الشعوب حقها في أدارة دولتها!
ليست مصر وحدها أمام هذا الاختبار الصعب، بين دولة مدنية ديمقراطية تكون فيها السيادة للقوى المدنية، وبين دولة عسكرية يكون القرار النهائي فيها للمتكئ على المؤسسة العسكرية القوية. نحن كلنا سنتأثر بهذا القرار المصيري لمستقبل مصر ومستقبل المحيط العربي بأسره، فقرار التغيير والانتقال إلى مرحلة جديدة بعد الانتخابات المصرية، سيغير وجه المنطقة؛ إما الانطلاق نحو مستقبل ديمقراطي تسوده العدالة الاجتماعية، أو نحو تعزيز سلطة العسكر وتحكمهم بالمشهد السياسي وفق عرف البيان رقم واحد!
على المصريين تحديد مستقبلهم الذي يضفي، بطريقة أو أخرى، على مستقبلنا نحن في باقي العالم العربي وجها جديدا يؤسس لدولة مدنية.
(الغد)