إذا كان الحديث والنشاط والمبادرات خارج أطر الجماعة أمراً مرفوضاً ويعدُ خروجاً ومروقاً على اللوائح والأنظمة، وخارج نطاق الأعراف التنظيمية الذي يستوجب الفصل الحاسم ويستحق أعلى درجات العقوبة، فلماذا يتم الاستنكار على الذين يتحدثون من الداخل، ويريدون اصلاح الجماعة من داخلها، ويجتمعون تحت الشمس وفي العلانية ويعلنون أن هذه جماعتهم وأفنوا فيها أعمارهم، فلا ينبغي أن يستنكر عليهم أحد عندما يرفعون أصواتهم في المطالبة والاصلاح ووقف حالة التدهور المريع الذي وصلت اليه الجماعة.
فإذا كانت هذه النشاطات مرفوضة في الخارج، ومرفوضة في الداخل فأين يذهب هؤلاء وأين يتحدثون، وإلى من يرفعون شكواهم، خاصة أنهم وقعوا على عرائض قبل ذلك بالمئات أكثر من مرة من الشمال والجنوب ومن مختلف المناطق، ولم يتم اعارتها الحد الأدنى من الاهتمام وقذفت في سلال المهملات ، وتم إعادة كتابة عرائض أخرى بلغ عدد الموقعين على احداها مائة وخمسين شخصاً، ولم يتم عرضها على مجلس الشورى، ولم يتم الجلوس معهم أومناقشتهم فيما كتبوا وفيما وقعوا عليه فلماذا يتم معاتبتهم عندما يسلكون هذا المسلك؟.
والمسألة الأخرى إذا لم يسمح لهم بالاجتماع في مقراتهم التي يدفعون أجرتها من اشتراكاتهم، فإلى أين يذهبون وأين يجتمعون، وأي سماء تظلهم وأي أرض تقلهم ، ولماذا لا يجوز طرح القضايا الخلافية في المقرات، وهل المقرات حكر على القضايا التي توافق هوى القيادة ورغباتها فقط.
المسألة كلها برمتها لا تحتاج إلى هذا النزق في التعامل القيادي ولا تستأهل ضيق الصدر تجاه الاجتماعات وما يطرح فيها من أوراق ورؤى، لأتهم أعضاء في جماعتهم وهم يريدون لها أن تكون قوية ومؤثرة وفاعلة في المجتمع وفي الدولة، ويرون أن الواجب الشرعي يحتم عليهم أن يجتمعوا وأن يبذلوا جهدهم في النصح والتفكير والنقد والمراجعة، وما تم استنكاره على هؤلاء الأعضاء من الاجتماع والتداعي تحت الأضواء، وأمام أعين التنظيم لا يخيف القيادة التي تثق بنفسها وبرؤيتها واستراتيجيتها وبرامجها، وكان بإمكان القيادة أن ترحب بعقد هذا المؤتمر وترحب بنتائجه، وتعد بأن تأخذ بما يحقق مصلحة الجماعة، ولو كان بتغيير بعض الأشخاص والاستغناء عن مواقعهم، لأن الجماعة أكبر من الأشخاص، ومصلحة الجماعة فوق مصلحة أي مجموعة، وهيبة الجماعة فوق هيبة أي زعيم، وقد تم ذلك قبل سنوات قليلة عندما تم إقالة المراقب العام والمكتب التنفيذي قبل أن يكمل العامين من دورته القيادية على إثر نتائج الانتخابات البرلمانية التي تم تزويرها عام 2007م ولا يجوز أن يتم اتهام هؤلاء بالعمالة والخيانة لأطراف خارجية، لأن اطلاق هذه الاتهامات لا تليق بالحد الأدنى من المروءة والرجولة.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ينبغي النظر إلى ما يتم طلبه من الحكومة ومن مؤسسات الدولة من حرية اللقاءات، وحرية المظاهرات والتجمعات، وحرية النقد لأصحاب السلطة، فعلى أقل تقدير أن تعمل الجماعة بداخلها ما تطلب به الحكومة، وأن تسع اعضاءها الذين مكثوا في تنظيمها عشرات السنوات وأن تسمح لهم بما يطالبون به الحكومة لمصلحة المواطن العادي.
كيف نستطيع أن نصنع الثقة لدى المواطن، ولدى شرائح ومكونات المجتمع التي تخالفنا في الدين والمعتقد والتوجه والفكر والبرنامج السياسي، بأننا أمناء على حرياتهم عندما نصل إلى بعض السلطة، إذا كنّا غير مستأمنين على حرية إخواننا الذين يتفقون معنا بالدين والعقيدة والفكر والمنهج، ولا يسمح لهم بالنقد والمعارضة لا في الداخل ولا في الخارج.
وإذا قيل أن هذا يجب أن يتم من خلال المسؤولين، ومن خلال المؤسسات الشرعية، فكيف يتم ذلك إذا كانوا هم الخصم بذواتهم وأشخاصهم، وهل يتم التعامل مع مؤسسات الدولة بالمنطق نفسه وبالطريقة نفسها، اليس ذلك من التناقض الواضح الذي يتناقض مع قوله تعالى (تعالوا إلى كلمة سواء) ، أم أنه يجوز لنا ما لا يجوز لغيرنا، ونحن معصومون وفوق النقد.
(الدستور)