«عثمان» على خطى «ابن رشد» .. !
حسين الرواشدة
10-05-2014 02:53 AM
فيما كان الصديق عثمان الطوالبة يشرح لنا عن قصة انشاء مؤسسة ابن رشد التعليميّة التي تضم نحو 160 مركزاً اسلاميا في السويد، وعن علاقة الجالية العربية والاسلامية بالدولة والمجتمع هنالك، شرد ذهني الى قصة الشاب الذي ترك وظيفته “امام” مسجد في اربد، وقرر ان يأتي الى هنا محملاً بمشروع اكبر من “حلم”، وهو التعريف بالاسلام الصحيح في مجتمعات لا تعرفه، او يتقصد بعض من فيها الاساءة اليه وتشويهه، تذكرت انه مثل هذا الشاب يمثل “صورة” للاردني الحريص على دينه وبلاده ايضاً، فقد رفض العروض التي طرحت عليه للدخول في السياسة، وقاوم محاولات التشويه التي تعرض لها حين “انفتح” عن وعي على أتباع الديانات الاخرى، وحرص على تقديم “الاسلام” بمعناه الحضاري رغم ضجيج الدعاة الذين لايرون في الاسلام سوى مشروع لفتح العالم والتسيّد عليه، ويا ليتهم يفعلون ذلك من بوابة تقديم “النموذج” والمثل، بالاخلاق والممارسة، ولكنهم يفعلونه بالتشدد والانغلاق واشاعة الكراهية بين الجميع.
كان عثمان مصراً على ان “التصالح” مع المجتمع السويدي، لا الذوبان فيه، هو المدخل لكسب العقول والقلوب معاً، ويرى ان هؤلاء المسلمين الذين وصل عددهم في السويد الى نحو 600 الف مواطن يحتاجون لمن يرشدهم الى طريق الاسلام والى طريق “التحضر” ايضاً، وبدأ الرحلة من خلال اكثر من موقع، فهو يخطب في بعض المساجد، ويحاضر في احدى الجامعات “بمالمو” ويشرف على بعض النشاطات في مؤسسة ابن رشد، وهو ناشط ايضاً في الجمعية السويدية الاردنية وسبق ان شارك في حوارات ممتدة مع الحكومة السويدية كممثل عن الجمعيات الاسلاميّة.
في مبنى مؤسسة ابن رشد قال عثمان بأن هدفنا هو “بناء الانسان”، أما الاسس الصالحة لذلك في التعددية والاندماج والديمقراطيّة وحقوق الانسان والعدل، والمؤسسة ضرورية لبناء كيّان خاص للانسان المسلم الذي يعاني من “قلق” الهوية في السويد، فهو يريد ان يكون مسلماً وسويدياً معاً، لكن لكي يحقق ذلك لابدّ ان يعبد “ترتيب” عقله من جديد، ولهذا بدأنا –يضيف عثمان- بفكرة “المسجد” كبيت مفتوح للمسلمين وغيرهم ايضاً، نقدم لهم فيه “الفيكا” وهو نوع من الحلوى السويدية، ثم نقدم لها تعريفاً بالاسلام، ودخلنا ايضاً في “الفولك بيلدنينغ” او التعليم الشعبي الذي يعتبر الذراع الثاني للتعليم في السويد، لكي نؤسس لابنائنا ما يحتاجونه من علم ومعرفة للحفاظ على هويته والتصالح مع مجتمعه ومع العالم ايضاً.
يدافع عثمان عن “ابن رشد” صاحب الشارح الاكبر (1126-1198) ويرى ان الغرب استفاد من علمه وكرّمه اكثر مما فعلناه تجاهه، لكنه بالطبع لا يتصور ان بمقدورنا كمسلمين اليوم ان نهدي “للعالم” ابن رشد جديد، وانما نستطيع ان نقدم بعض ما لدينا مما ورثناه ومما ابدعناه في سياق فهمنا لديننا وحضارتنا ، ثم “نتعلم” من بعض ما انجزه غيرنا ونبني عليه.
قي السويد، كما يرى هذا الشاب الذي شق طريقه نحو “النجومية”، كل شيء متاح لخدمة الانسان والاسلام ايضاً، ما يلزمنا –فقط- هو التحرر من عقدة “الاحساس بالنقص” والخوف ومن خطاب التشدد والتسوّل، هذا الخطاب الذي استمعنا الى نموذج منه في صلاة الجمعة التي اديناها معاً في احدى القاعات الرياضية وسط “مالمو” حيث انتهز الخطيب المناسبة للتحريض على الآخر، والصبر على “سوء” ما يفعله بنا العالم انتظارا لانتصار الاسلام، ثم ختم بمطالبة المصلين بالتبرع لبعض الجمعيات الخيريّة في لبنان...تصور –قال عثمان- إن بعض الدعاة القادمين الى هنا بدل ان يتطوعوا لخدمة المسلمين هنا ينتزهون الفرصة “لتجميع” النقود ثم يذهبون الى بلدانهم، مع اننا –كمسلمين- مغتربون بحاجة لمن يدعمنا.
سألته عما يحتاجونه من دعم، قال لدينا ائمة بحاجة الى تدريب وتأهيل، لدينا طلاب بحاجة الى مناهج ومدرسين، لدينا قضايا ومشكلات تحتاج الى مساندات “اعلاميّة”، ولدينا مشروعات طموحة تنتظر علماء يمدون لنا يدهم لانجازها..ثم اضاف شارحاً :خذ مثلاً “رسالة” عمان، هذه التي قدمت الصورة الصحيحة للاسلام، لماذا لا نتشارك مع اخواننا في الاردن لتقديمها وشرح مضاامينها في مساجدنا ومؤسساتنا، خذ –ايضاً- طلبة الجالية الاسلامية هنا، لماذا لا نتعاون مع الجامعات العربية والاسلاميّة ليتمكنوا من دراسة علوم الشريعة فيها، خذ –ثالثاً- المؤتمرات التي تقام ونحرم من حضورها، مع ان لدينا في السويد تجربة يمكن ان تفيد وتحتاج لمن يساعدنا على انضاجها.
صوت عثمان الذي صدع “بالآذان” لاول مرّة في تاريخ السويد من فوق احدى المآذن، يصدح مرّة ومرات في “مالمو” وانحناء السويد..وهو يردد فكرة “المسلم الانسان” لا مقولات الاسلام الاخضر والازرق والاصفر (علم السويد من اللونين الازرق والاصفر)، وانما الاسلام “الحر” الطليق الذي لا يختزل في خطاب داعية، او علم دولة، او مكان او زمان، وانما يتطابق مع قيم الحريّة والعدالة والكرامة حيثما كانت..ومع الانسان الذي يبحث عن الجنتين : جنة الارض وجنة ما بعد الحساب، حيث رضى الله هو الغاية وخدمة الانسان هو الهدف.
(الدستور)