الرئيس الروسي .. وقانون منع استخدام الكلمات البذيئة في وسائل الإعلام
السفير الدكتور موفق العجلوني
09-05-2014 04:40 AM
اقر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا. قانونا يقضي بعدم استخدام الكلمات البذئية في وسائل الإعلام والمسرحيات والأفلام والعروض والحفلات والكتب والأعمال الفنية. ويأتي هذه القانون استكمالاُ للقانون الذي اقره العام الماضي بعدم استخدام الكلمات البذيئة في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة.ويتضمن القانون غرامات تتراوح من 40 إلى 50 يورو بالنسبة للأفراد، ومن 80 إلى 90 يورو بالنسبة لأصحاب المناصب الحكومية، ومن 800 إلى 1000 يورو بالنسبة للأشخاص الاعتباريين. ووفقاً للقانون، فإن خبراء لغويين سيتولون مسؤولية تحديد إذا ما كانت الكلمة أو التعبير بذيئاً أم لا، ويمنع القانون بهذه الطريقة استخدام الكلمات البذيئة في المؤتمرات العامة، سواء كانت ذات طابع ثقافي أو فني أو ترفيهي.
حقيقة الرئيس بوتين يستحق الشكر على هذا القانون، ومن خلال خلفيتي الجامعية الاولى في الاداب والمامي باللغة الروسية، واعتزازي انني صحفي واعلامي قبل ان اصبح دبلوماسياً وسفيراً، حيث كان للصحافة والاعلام دور كبير في عملي الدبلوماسي والسياسي. يبدو لي ان الرئيس بوتين قد تأثر بعمالقة الادب الروسي امثال :الكسندر بوشكين ونيكولاي غوغول وفيودر دوستويفسكي وانطون تشيخوف واخرين، اضافة الى انه تأثر في بدايات الادب الروسي الذي ظهر في القرن التاسع عشر الميلادي وكان معظم هذه الكتابات ذات طابع ديني وعلى شكل مواعظ واناشيد وسيير للقديسين، وقد كتب رجال الدين الجزء الاكبر من هذا الادب.
ذكرني الرئيس الروسي بحكيم الصين العظيم كونفوشيوس والذي قال «ان اصلاح العالم سهل اذا صلحت اللغة التي يستخدمها الناس، ويرى كونفوشيوس ان اللغة في زمانه لم تكن لغة صائبة ولان ما يقال لا يحمل المعنى المقصود, واذا كان ما يقال لا يحمل المعنى المقصود، فاننا لا نستطيع القيام بما ينبغي ان نقوم به، واذا لم نستطع ان نفعل ذلك فسدت الاخلاق والفنون، واذا فسدت الاخلاق والفنون ضلت العدالة، واذا ضلت العدالة احتار الناس وتاهوا، واذا احتار الناس وعجزوا عن الفعل توقف العالم وتدهورت احواله. وبالتالي اذا ما امعنا النظر في واقعنا العربي نجد ان مجتمعاتنا العربية تعاني بشكل عام حالة من التيه وتدهور الحال بسبب عدم الاهتمام بلغتنا العربية واحياناً أخرى عدم القراءة الجيدة، واحياناً اذا قرأنا لا نركز الفهم، واذا فهمنا لا نحسن التطبيق. اضافة الا ان هناك بعض الكتابات الصحفية التي تصدر هنا وهناك بحاجة الى المراجعة والتدقيق من قبل كتابها والمؤسسات الصادرة عنها، اضافة ان هناك عددا لا بأس به من الافلام والمسرحيات والمسلسلات والبرامج العربية التي تخرج عن ادبيات الاعلام المسؤول، اضافة الى الافلام والمسلسلات المستوردة ولا تتوافق مع مجتمعاتنا وعاداتنا وتقاليدنا ولغتنا، وتستحق عقاب الرئيس بوتين وهذه مشكلة تحتاج الى تشريعات وقوانين في عالمنا العربي مشابهة لقانون الرئيس بوتين.
يقول ارسطو «ان الانسان حيوان ناطق»، وما قصده ارسطو ليس المعنى اللفظي للنطق وانما النطق القائم على الفكر وهذا ما يميز الانسان عن غيره من المخلوقات، حيث جاء في محكم تنزيله: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) سورة الإسراء، و-الرَّحْمَنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ* عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (1-4) الرحمن، و- قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الاَلْبَابِ (9) سورة الزمر, و- وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78) سورة النحل، و- قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُون ( 23 ) سورة الملك.
فاللغة ليست وسيلة لنقل المعاني والفكر فقط فهي ان لم تكن جزءاً من الفكر فهو الفكر كله. والإعلام يعني «تقديم الأفكار والآراء والتوجهات المختلفة إلى جانب المعلومات والبيانات من خلال اللغة بحيث تكون النتيجة المتوقعة والمخطط لها مسبقا أن تعلم جماهير مستقبلي الرسالة الإعلامية كافة الحقائق ومن كافة جوانبها، بحيث يكون في استطاعتهم تكوين آراء أو أفكار يفترض أنها صائبة حيث يتحركون ويتصرفون على أساسها من أجل تحقيق التقدم والنمو الخير لأنفسهم والمجتمع الذي يعيشون فيه.
وهناك القول المشهور عن ارسطو: يا هذا حدثني حتى اراك، وتكلم اقل لك من انت. ونظراُ لاهمية اللغة في النشاط الانساني اليومي فهي اكثر اهمية للنشاط الاعلامي والصحفي. فاللغة الاعلامية هي لسان الاعلام الذي ينطق به في القيام بدوره وهي اداة الاعلام في نقل رسالته لمستقبليها. وبالتالي بمقدار ما تكون لغة الاعلام لغة سامية ومختارة ومعبرة وبعيدة عن الاسفاف والرخص، يكون الاعلام راقي ورقي الاعلام هو محصلة ونتاج رجال الاعلام والصحافة، وحسبنا في الاردن انه يحتضن النخبة من الاعلامين الاردنين-الا نقر قليل استغل اجواء الحرية الاعلامية في الاردن وبدأ يغرد خارج السرب-و هنالك رواد اعلاميون واعلاميات اردنيون في الدول العربية الشقيقة قمة في الكفاءة والمهنية الاعلامية المسؤولة والخلق الكريم.
و من هنا نلمس في اعلامنا الرسمي والخاص الالتزام الادبي من خلال استخدام تعابير أدبية واستعارات ومحسنات لغوية ونعوت وصفات ولغة مجازية ورمزية واضحة ومفهومة واحيانا قوية ومتينة وتعابير لغوية بلاغية لم نعتاد عليها وتحتاج الى تفسير وشرح كبعض الاقلام الرائعة والتي تطل علينا كل صباح عبر وسائل اعلامنا وصحافتنا والتي نحترمها ونقدرها وتثري لغتنا وثقافتنا وتعبر عن همومنا وقضايانا.
(الرأي)