البابا فرانسيس الأول في رحاب الأديان الثلاثة
د.حسام العتوم
08-05-2014 03:09 PM
الزيارة الأولى الكريمة المنتظرة للبابا فرانسيس الأول زعيم الفاتيكان تاريخ 24/ أيار/ 2014 للأردن وفلسطين و (إسرائيل) ولمهد ومنبع الأديان السماوية الرسولية الثلاثة الإسلامية والمسيحية واليهودية والتي سبقتها زيارات بابوية مماثلة لبولس السادس عامي 1994 و 2000 ولبندكتس عام 2009 تعكس معاني عميقة أهمها بأن الأديان الثلاثة الملتصقة تاريخاً ورسلاً وسماءً هي على مسافة واحدة، تدعو للسلام والمحبة والخدمة البشرية، وهي غير قابلة للتحريف أو التزوير أو هكذا نتوخى، وكل تابع لها مطالب بالإيمان بالله الواحد الذي لا شريك له؛ يكتب يوسف زيدان في كتابه (اللاهوت العربي وأصول العنف الديني ص 18، 19، 20): جرت عادة الناس في بلادنا، في أيامنا الحالة، أن يصفوا اليهودية والمسيحية والإسلام، تحديداً، بأنها ديانات سماوية، ولعل الأصح، إذا أردنا تمييز الديانات الثلاث عن غيرها، أن نصفها بأنها ديانات رسالية أو (رسولية)، لأنها أتت إلى الناس برسالة من السماء، عبر رُسل من الله وأنبياء يدعون إليه تعالى ويخبرون عنه الناس، سواء جاء هذا المُخبر عن الله بكتاب، فكان رسولاً، أو عوّلت دعوته على كتاب سابق، فكان نبياً، ومن هنا، كانت اليهودية هي رسالة موسى وأنبياء العهد القديم، الكبار الأوائل منهم أو الصغار المتأخرين، وابتدأت المسيحية بنبوءة يوحنا المعمدان، يحيى بن زكريا، ذلك الصوت الصارخ في البرية مؤذناً بمجيء بشارة المسيح، الذي أكمل دعوته تلاميذه الذين يسميهم القرآن والمسلمون: الحواريين، ويسميهم الإنجيل والمسيحيون: الرسل، وعلى المنوال ذاته، كان الإسلام هو رسالة النبي محمد التي تلقّاها من الله عبر الملاك جبريل، الذي هو عند المسلمين الروح الأمين وروح القدس، والذي هو في المسيحية (الروس القدس)، وفي ص 21 يصيف يوسف زيدان هنا قائلاً: (يبدو لنا عند إمعان النظر، أن الديانات الثلاث (اليهودية، المسيحية، الإسلام) هي في حقيقة أمرها ديانة واحدة، ولكنها ظهرت بتجليات عدة، عبر الزمان الممتد بعد النبي إبراهيم (ابرام) الملقب في الإسلام بأبي الأنبياء، وهو في المسيحية: جد يسوع لأمه، فكانت نتيجة هذه المسيرة الطويلة هي تلك التجليات الثلاثة الكبرى (الديانات) التي تحفل كل ديانة منها بصيغ اعتقادية متعددة، نسميها المذاهب، والفرق، والنحل، والطوائف.
زيارة البابا فرانسيس الأول الهامة والفريدة من نوعها من حيث التوقيت إلى وسط أكثر مناطق العالم سخونة وانغماساً في الأزمات، وأكثرها ازدحاماً بالمقدسات الإسلامية والمسيحية على وجه الخصوص مثل المسجد الأقصى ثالث الحرمين وأولى القبلتين وكنيستي القيامة في القدس والمهد في بيت لحم، والمغطس في الأردن، والقرب من المقدسات الإسلامية أيضاً في المملكة العربية السعودية حيث الحجر الأسود في الكعبة في مكة بيت الله العتيق القادم من الجنة أبيضاً وقبر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ومهبط الوحي الأمين، فيها تعبير عن عمق التعايش المسيحي الإسلامي أو بالعكس الذي يصل لدرجة الاندماج، وفيها دعوة للسلام الدائم بين الأديان الثلاثة كافة، والطلب من أتباعها ترجمته على ا لأرض في الحياة وفي السياسة والتشجيع باتجاه حوار الأديان والحضارات والثقافات والشعوب لما فيه كل الخير للبشرية جمعاء، ونشيد القديس الذي سيردده البابا في عمان بمشاركة حشود مليونية ستكون في استقباله تحت عنوان (يا رب ارجع لي أداة السلام) تتطلب من اليهودية كدين رسلي سمائي الاعتدال والابتعاد عن الالتصاق بالصهيونية باعتبارها مؤسسة سياسية ماكرة ذات أهداف احتلالية وعنصرية اقصائية تتمتع بعلاقات جيوبوليتيكية تمتد من تل أبيب لتصل عبر البحار والمحيطات إلى مؤسسة (أيباك) في واشنطن في قلب أمريكا، وهنا أحيي دعاة السلام منهم المطالبين لإسرائيل بالرحيل عن أراضي العرب إلى حدود الرابع من حزيران لعام 1967، وباعتبار القدس عاصمة لدولة فلسطين كاملة الوحدة والسيادة ومحجاً لكل الأديان الرئيسة مع ضمان حق العودة والتعويض وإخلاء المستوطنات من ساكنيها اليهود أنفسهم، وتحقيق العدل والمساواة، وإدانة الاحتلال مثل حزب (راكاح) الشيوعي المؤسس عام 1965.
المعنى الإنساني لزيارة البابا فرانسيس الأول يكمن في حرصه على لقاء المشردين جراء حالات عدم الاستقرار والحروب في سوريا والعراق، ولقاء ذوي الاحتياجات الخاصة المعوقين، فهذه الشريحة من أهل المنطقة هي الأقرب لله سبحانه وتعالى والأكثر حاجة لتهدئة النفس والتبرك بالحبر الأعظم وبرعايته البابوية السمحة، وفي الزيارة تعزيز لرسالة عمان التي انطلقت في ليلة القدر في التاسع من تشرين الثاني 2004، وهي التي هدفت إلى التوعية بجوهر الدين الإسلامي الحنيف وحقيقته، الذي قدم للمجتمع الإنساني انصع صور العدل والاعتدال والتسامح وقبول الآخر ورفض التعصب والانغلاق، وفي الزيارة البابوية الفاتيكانية هذه اعتراف دامغ بالوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس الإسلامية والمسيحية وخاصة المسجد الأقصى في القدس الشريف والتي وقعها جلالة الملك والرئيس محمود عباس في عمان تاريخ 13/ آذار / 2013 وهي التي تؤكد أيضاً على أن القدس الشرقية هي أراضي عربية محتلة وأن السيادة عليها هي لدولة فلسطين، وأن جميع ممارسات الاحتلال الإسرائيلي فيها منذ عام 1967 هي باطلة، ولا تعترف فيها أي جهة دولية أو قانونية، وتعتبر الاتفاقية إعادة تأكيد على الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في مدينة القدس منذ بيعة 1924 للملك الشريف الحسين بن علي وحقه في الحماية والرعاية والإعمار، وفي زيارة البابا فرانسيس الأول تعزيز للوحدة التاريخية والشرعية والشعبية الأردنية الفلسطينية التي انطلقت من وسط مؤتمر أريحا 1948 وتم تثبيت أركانها عام 1950، وتأكيد متواصل على أن الأردنيين والفلسطينيين ورغم ما يواجهون من أزمات سياسية واقتصادية شعباً واحداً على امتداد الهويتين والثقافتين والدولتين الأردنية والفلسطينية، وفي زيارة البابا توحيد لمشاعر العرب مسيحيين ومسلمين ودعوة صريحة لهم للتوجه نحو الوحدة الحقيقية والابتعاد عن العنف والانقسام والحروب والاقتتال من أجل أن يعم السلام بلادهم.
من جديد نؤكد بأن الزيارة البابوية هذه توقيع رابع وربما خامس من طرف الفاتيكان وخاتم على شرعية مغطس وعماد السيد المسيح في الطرف الأردني وترفيعه لمستوى الحجيج المسيحي العالمي الثالث بعد كنيسة القيامة في القدس وكنسية المهد في بيت لحم حيث ولد السيد المسيح عليه السلام، وتشكل انطلاقة حقيقية لإسناد السياحة الدينية المسيحية من كل أصقاع العالم وبناء المزيد من الكنائس على غرار الروسية واليونانية وغيرهم وأمنياتي هنا بعد مرور عشرين عاماً على معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية أي منذ عام 1994 هو أن تزول المظاهر العسكرية الأمنية على طرفي نهر الأردن الخالد، وتتحول إلى مدنية أمنية فقط حتى يبقى الطابع التاريخي وما قبله والديني البريء حاضراً ومن دون تلوين، وأهلاً وسهلاً ويا مرحبا بالزعيم الروحي للكنيسة الكاثوليكية صاحب الكرسي الرسولي ضيف الأردن وسيدنا جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين ونحن على مشارف عيد استقلال أردننا الغالي، وهو الزعيم الذي يتحدث اليوم باسم مليار و 147 مليون مسيحي منذ عام 1929 بعد اتفاقية لاتران ذائعة الصيت.